أنطوان عون من معوّق في الحرب اللبنانية إلى بطل يحقق الإنجازات المذهلة فرنسياً وعالمياً
خاص جبلنا ماغازين – باريس
أنطوان عون هو أحد اللبنانيين الكثيرين الذين قلبت الحرب حياتهم رأساً على عقب وغيرت ما كانوا قد خططوا لمستقبلهم فيها. بعضهم تغيرت حياتهم بفقدانهم قريباً أو عزيزاً، وبعضهم بالتهجير أو بالهجرة، وبعضهم بالإصابة أوالإعاقة.
كان أنطوان في الثامنة عشرة من عمره عام 79 عندما اخترقت رصاصة ظهره في إحدى ضواحي بيروت التي كانت مشتعلة آنذاك، فانفجرت داخل جسده اليافع وشلت رجليه إلى الأبد وحولته إلى معوق، وبالتالي إلى باحث لاهث عن فرصة عمل لم تسنح له في بلده رغم إكماله تعليمه الثانوي، فهاجر إلى فرنسا عام 83 ليلتحق بممرضة فرنسية كان قد تعرف بها في مستشفى بحنس، وليتزوج منها ويبدأ حياة جديدة في أرض لا تبخل بالفرص على الوافدين إليها، بل تفتح الباب على مصراعيه لأي حالم يتحلى بالمثابرة والتصميم والثقة بالنفس. فتحول الشاب اللبناني المعوق بعد سنوات إلى بطل يجوب العالم على عجلات مسجلاً إنجازات قد يعجز عن تحقيها من يتمتع بكامل عافيته الجسدية، وليصل أيضاً في العام 2014 إلى انتخابه عضواً في مجلس بلدية مدينة Caenفي النورماندي التي يعيش فيها منذ أن هاجر لبنان، بالإضافة إلى عمله كمحاضر في مجال التحفيز على روح التحدي والمثابرة والثقة بالنفس في الشركات والمؤسسات الفرنسية.
وبدعوة من المؤسسة الثقافية اللبنانية – الفرنسية في "أنطوني"، ألقى أنطوان عون يوم الأحد الماضي محاضرة في ضاحية أنطوني الباريسية بحضور حشد من أبناء الجالية اللبنانية وأصدقائها وشخصيات سياسية فرنسية من أصول لبنانية. وتطرق في خلالها إلى كتابه الذي أصدره بعنوان: “Ma vie en 3D: Désir, Discipline, Determination”
وبالتزامن مع المحاضرة، أجرى موقع "جبلنا ماغازين" مقابلة مع أنطوان عون تناولت حكايته مع الإعاقة التي ما لبث أن حولها إلى طاقة وأصبح يمثل قدوة ومثالاً يحتذى لكل إنسان يشكك بإمكاناته وقدرته على تحقيق ما يصبو إليه.
بدأ الحديث مع أنطوان عن المرحلة الأولى التي مر بها بعد الإصابة وبعد معرفته بأنه لن يستطيع المشي مجدداً، فقال إنها كانت المرحلة الأصعب وكان جل همه - بعد تقبل الأمر الواقع - أن يعتاد على خدمة نفسه بنفسه دون الاستعانة بالآخرين.
أولى مغامرته كانت في العام 84 عندما شجعه أعضاء فريق الكشافة الذي كان ينتمي إليه على المشاركة في سباق في الجبال الفرنسية، فاخترعوا دراجةbike tandem المعدة لشخصين لكي تعمل بدواسات للرجلين وأخرى باليدين حتى يقودها أنطوان مع سائق آخر، وهذا ما حصل، وشارك يومها في سباقه الأول الذي لف مسافة 700 كيلومتر في الجبال الفرنسية.
عن هذا السباق، يقول أنطوان: "من وقتها أحسست بأن روح المغامرة موجودة في داخلي وهذه كانت أول مسابقة من نوعها يقوم بعا معوق ويقطع هذه المسافة، فقررت مواصلة القيام بمغامرات رياضية، وقمت من بعدها بتعديل الدراجة وقدتها بيديّ مسافة ثلاثة آلاف كيلومتر في جولة حول فرنسا".
في العام 89 قطع أنطوان مرة جديدة الأراضي الفرنسية بمسافة 1050 كيلومتراً، ولكن هذه المرة على الكرسي المتحرك wheelchair. وعام 90 قطع الولايات المتحدة بدءاً من نيويورك وصولاً إلى لوس أنجلوس على دراجة tandem بمسافة 5000 كيلومتر.
وكرّت سبحة تحقيق الإنجازات غير المسبوقة لمعوّق... ففي العام 92 قطع أنطوان المسافة على دراجته من النورماندي وصولاً إلى جزيرة "نورد كاب" في شمال النروج. وعام 94 قفز بالمظلة محققاً حلم طفولته وحط في جبال البيرينيه الفرنسية. وفي العام 97 قاد دراجة الـ tandem من النورماندي إلى بلده الأم لبنان مروراً بجبال الألب وإيطاليا ومن ثم بالباخرة إلى تركيا التي قطعها على الدراجة مروراً بتركيا وسوريا حتى لبنان.
عام 2000، بدأ نشاط أنطوان عون على الـ"هاند سايكل"، فقاده في رحلة أوروبية جال فيها كلاً من إسبانيا وإيطاليا والنمسا مروراً بجبال الألب، ومنها إلى ألمانيا وهولندا وإنكلترا وبلجيكا واللوكسمبورغ وصولاً إلى ستراسبورغ في فرنسا.
عام 2009 جاب قارة أستراليا. وفي العام 2012 قاد زورق pirogue بمشاركة 3 آخرين من الشاطئ الفرنسي إلى جزيرة كورسيكا في المتوسط بمسافة 250 كيلومتراً تم اجتيازها في خلال 40 ساعة بلا توقف.
عام 2015 قام بمغامرة جديدة مذهلة، فذهب بالطائرة إلى الصين وعاد منها على متن دراجة "هاند سايكل" قادها مسافة 5000 كيلومتر من أصل المسافة البالغة 12000 كيلومتر وصولاً حتى فرنسا، في رحلة استغرقت شهرين وكانت ثاني أطول رحلاته بعد جولته الأميركية!
أما رحلته الجديدة، فستكون الشهر المقبل في المكسيك حيث سيقود دراجته اليدوية مسافة 180 كيلومتراً على الطرقات الجبلية.
أنطوان عون هو من بلدة "أرصون" في المتن الجنوبي ومن سكان فرن الشباك سابقاً. يقول رداً على سؤال لـ"جبلنا ماغازين" عما إذا كان يكره لبنان بسبب إعاقته: "لا أكره لبنان أبداً وأنا أزوره كل سنة ولديّ الآن ولدان من زواجيّ السابقين وأرغب بتسجيلهما كلبنانيين. المشكلة أن المعوق في لبنان - وكغيره من الناس - يحتاج إلى واسطة لإيجاد وظيفة". وأضاف: "لو كنت لا أزال في لبنان، لكنت ربما توظفت في مصرف ما ولكنني ما كنت قد استطعت القيام بكل هذه المغامرات الرياضية لأن كل شيء هناك يرتبط بالماديات".
ويختم عون حديثه لـ"جبلنا ماغازين" بتوجيه رسالة لكل إنسان أكان صحيحاً أم معوقاً في لبنان والعالم، فيقول: "يجب أن يكون هدف كل شخص هو التقدم في الحياة، وخيار التقدم هو أصعب الخيارات ولكنك لا تستطيع أن تبقى جالساً مستسلماً ومنتظراً، بل يجب أن تناضل وأن تهجم وأن تدق الأبواب وتبحث عمن بإمكانه مساعدتك للوصول إلى أهدافك".
Fadia Samaan – Jabalna Magazine ©