وسام سمّوري بعد نيله جائزة الدولة الفرنسية للشركات الناشئة: هذه هديتي للبنان
كاتيا سعد - جبلنا ماغازين (باريس)
ليس بعيداً عن نجاح اللّبناني المغترب - لا بل تفوّقه - في المجال العلمي وعالم المال والأعمال والفن والمسابقات الجمالية وغيرها، تمكن المغترب اللبناني الشاب وسام سمّوري (30 عاماً) المقيم في باريس، من انتزاع وسام جديد من نوعه للبنان - هذه المرّة في المجال التربوي - بنيله جائزةFrench Tech Ticket، وهي جائزة تقدمها الدولة الفرنسية للشركات الناشئة، عن شركته MeshUp التي تشكل بوصلة للطلاب نحو مستقبلهم وتوفر لهم تقنية تكنولوجية تساعدهم بدءاً من المرحلة التعليمية الثانوية أو حتى في الجامعة في اختيار مجال اختصاصهم الجامعي، وبالتالي المهنة التي يتطلّعون إلى مزاولتها بعد التخرج.
وقد قام سموّري بابتكار هذه التقنية مع شريكَين إيطاليَين: Borna Scognamiglio و.Francesco Travagli
تهنئة الرئيس الفرنسي
"شكراً للبنان الذي أتى بك إلى هنا"، بهذه الكلمات هنّأ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وسام سمّوري في كلمة ألقاها في قصر الإليزيه قبل أشهر أثناء استقباله الفائزين الـ 23 في المسابقة التي ضمّت أكثر من ألف مشترك من 100 دولة حول العالم. وقابل سموري تهنئة هولاند بالقول في مقابلته مع "جبلنا ماغازين": "شكراً جزيلاً لفرنسا التي استقبلتني وآمنت بقدراتي وطاقتي".
وهذه الكلمات تؤكّد مرة جديدة على أنّ هجرة الأدمغة لا تزال محطة مهمة في تاريخ الهجرة من لبنان، الذي يحضن طاقات شبابية ومهارات عالية إلاّ أنّه لا يؤمّن لها البيئة الصحيحة لتجسيد طموحها الفكري على أرض الواقع أوّلاً، ولا يوفّر لها دائماً التوجيه الصحيح لاختيار مجال الاختصاص ثانياً؛ فيخسرها ليستفيد منها الخارج كما هو حال وسام وغيره المئات في بلاد الاغتراب.
وسام سمّوري، لبناني - فرنسي بكل ما للكلمة من معنى
وسام سمّوري، الشاب اللبناني المقيم في فرنسا منذ 9 سنوات، من بلدة شحور الجنوبية وسكّان منطقة المنارة في بيروت، هاجر إلى فرنسا بعد أن أنهى 3 سنوات من دراسته الجامعية في مجال هندسة المعدّات الطبية تخلّلها تنفيذ مشاريع عدة في مجال البرمجة الإلكترونية أُضيفت إلى مشاريعه في الرابعة عشرة من عمره. وشجّعه على اتّخاذ هذا القرار كلمات أحد أساتذته الذي قال له يوماً: "فلّ من البلد، مع إنّو رح تلاقي شغل هون بس طموحك رح يحترق"، تلتها كلمات والديه الذَين آمنا بقدراته أيضاً "قدّ ما نحنا منحبّك وقلبنا بدّو ياك تضلّ معنا، عقلنا بيقلنا إنو تسافر وتلاقي حالك برّا".
في فرنسا، تخصّص وسام في مجال الهندسة الصناعية وتابع تحصيله للدكتوراه في مجال Big Data Mining [علم تحليل كميات ضخمة من المعلومات بوقت قصير]. واليوم، وسام هو أستاذ محاضر في جامعة Paris Descartes (منذ عام 2013)، وأحد مؤسّسي MeshUp ومديرها التقني، كما يرأس جمعيّة Orientation Lab غير الربحية التي تمّ تأسيسها في ربيع 2016 وتقوم بنشاطات ودورات تجمع ما بين الاختصاصييّن من مجالات مختلفة والطلاّب لتعرّفهم عن قرب بالاختصاص وجوانبه.
وعلى الرغم من الحواجز التي واجهته في الغربة، أوّلها كانت اللغة الفرنسية، وثانيها الغربة بحدّ ذاتها، إلاّ أنّ فرنسا منحته فرصة لم تكن متاحة له في لبنان، وهي أن يعيش في عالمه الخاص "وهو عالم مليء بالطاقة والأحلام" كما يعبّر مبتسماً. ويعتبر الوحدة إحدى العوامل المحفّزة للابتكار وتحقيق الإنجازات. فبرأيه "ما يجعل اللّبناني يعمل هو السفر، ولذلك فإنّ اللبناني ينجح ويتفوّق في الخارج، وكل مغترب سيفهم ما أقصده".
وعمّا إذا كان يلوم لبنان على هجرته، يقول وسام وبنبرة حزن: "أنا لا ألوم لبنان ومشكلتي ليست معه، وإنّما مع الطبقة السياسية التي لا تهيّء للشباب البيئة الملائمة لتحقيق طموحه (...) فتستقبلهم دول الخارج بكل سرور".
ويقول للبنان: "حلّك هو معنا، نحن المغتربون الذين نسافر وبعد ذلك نعود لأننا نرغب في فعل شيء لكي نحدث تغييراً، وسأكون واحداً من هؤلاء يوماً ما". ويضيف: "التغيير سيبدأ عندما تحال هذه الطبقة السياسية إلى التقاعد".
وإذ يتمنى لو أنه حقّق هذا النجاح في لبنان، يقول: "الطبقة السياسية في فرنسا قدّرتني أكثر منها في لبنان. ففرنسا – كدولة - أعطتني الكثير ولها الفضل الكبير في نجاحي، وأشعر بالفعل بأنني لبناني - فرنسي بكل ما للكلمة من معنى".
وسام سموري: MeshUp هديّتي للبنان
هذا الانتماء إلى البلدَين، تُرجم بـMeshUp ، فنجاح وسام تحقّق في فرنسا، ولكن بوادره انطلقت من لبنان. فهذه المبادرة هي نتيجة ضعف التوجيه العلمي أو حتى عدمه الذي واجهه وسام في اختيار الاختصاص، والضياع الذي لمسه أيضاً في محيطه العائلي وبين أصدقائه. وينوّه بأنّ هذه المشكلة تطال فرنسا أيضاً، فـ"حوالي ثلث التلامذة يغيّرون الاختصاص بعد السنة الأولى، أو يغادرون الجامعة (...) و54% من الفرنسيين يعتبرون بأنّهم اختاروا المهنة الخطأ"؛ وفي لبنان - يؤكّد وسام - بأنّ النسبة أكبر وليس من إحصاءات حول هذا الموضوع، ولكن مزاولة نسبة كبيرة من اللّبنانيّين لغير اختصاصهم هو مؤشّر على ذلك.
ويرتكزMeshUp عمل على ثلاثة محاور:
1- من أنا؟ يخضع الشخص لاختبار يساعده لمعرفة جوانب من شخصيّته، وعليه يجد مجموعة من الاختصاصات التي تناسب شخصيته ومهاراته...
2- أيّ اختصاص أختار؟ هنا يجد الطالب شرحاً مفصلاً حول كل الاختصاصات، الجامعات التي تدرّس كل اختصاص، مستقبل كلّ مهنة، والأجر الذي يتقاضاه، بالإضافة إلى إمكانية مقابلة إحدى الشخصيات التي تمارس المهنة محور الاختيار.
3- ما هو المسار الذي يجب اتّباعه؟ هنا يتعرّف الطالب على المراحل الدراسية التي سيمرّ بها كما كل المهارات الأكاديميّة التي من المفيد أن يتعلّمها، وذلك بعد تحديده في المرحلتين السابقتين لنقطة البداية، والتي ستساعده لبلوغ نقطة الوصول، أي ممارسة المهنة.
واليوم، تحوّلت MeshUp من شركة ناشئة بدأت عام 2016 إلى شركة تجاريّة تبغي الربح، وهي تتلقّى الدعم والمتابعة من الدولة الفرنسية وقصر الإليزيه وحتى من مستشارين لوزارة التربية. ويسعى إلى تطبيقها أينما كان، بدءاً بفرنسا يليها إيطاليا ولبنان. ولكنه يقول جازماً: "لبنان ليس سوقاً رابحاً لها لأنّه بلد صغير وعدد الاختصاصات محدود (...) والأهل بشكل عام لا يدفعون المال من أجل برامج توجيهية... رغم ذلك سيكون هناك نسخة بخدمات تتلاءم وواقع لبنان ونظامه التربوي، ويضيف:"حبّي للبنان يدفعني إلى جعلMeshUp متاحة للطالب في لبنان دون أيّ مقابل ماديّ، وستكون هذه هديّة منّي للبنان".
العالم التربوي "الإيجابي" الذي يسعى وسام وزملاؤه إلى تحقيقه، هو أحد الأسباب التي تدفعه أحياناً للعودة إلى لبنان. وحبّه للعودة مرتبط أيضاً بحلمه في أن يكون أستاذاً جامعياً وبالتحديد "الأستاذ الذي حلمت أن يكون لديّ عندما كنت طالباً (...) أن أكون متواضعاً مع الطلاّب ومقرّباً منهم، أتحدّث معهم وأدعمهم في تحقيق أحلامهم وطموحاتهم".
هذه "البوصلة" هي إذاً محطة نجاح جديدة للبنان وفرصة تساهم في نجاح طموح الطالب مستقبلاً وبقائه في بلده، فـ "لو كان لبنان قادراً على استيعاب طموحنا كنّا لنبقى... الغربة سرقت منّي قضاء وقت أطول مع عائلتي التي أعتبرها مقدّسة في حياتي ولها الأولوية".