الدكتور عبد المجيد حلّاب يطلق اختراعه الطبي الثوري في لبنان بعد فرنسا
عندما تسأل شخصاً ما عن عمره فإنه سيجيبك مسرعاً بما هو مسجل في بطاقة الهوية، أي أنه سيخبرك بعدد سنين عمره التي عاشها حتى اللحظة. لكن العمر الفعلي لأي شخص، والذي قد تعكسه ملامح وجهه وجسده، تحدده عدة عوامل أهمها مدى اتباعه للعادات الصحية السليمة وابتعاده عن العادات السيئة؛ في غذائه وشرابه ونومه وممارسته للرياضة وابتعاده عن التدخين والمشروبات الروحية، بالإضافة إلى إجراء الفحوصات الطبية الدورية التي يمكن أن تكشف أية مشاكل صحية مبكراً ليتم معالجتها في بداياتها.
من هنا تجيء أهمية الجهاز الجديد الذي ابتكره ابن مدينة طرابلس الطبيب د. عبدالمجيد رياض حلاّب بعد سنوات من الأبحاث والتجارب والتطوير، وسجل براءة اختراعه في فرنسا منذ العام 2014، والذي يستطيع الطبيب المختص بواسطته أن يحدد العمر الفعلي للإنسان عن طريق تحديد عمر شرايينه والفحص الدقيق لمدى ليونة أو صلابة هذه الشرايين، وبالتالي معرفة احتمالية أن يصاب بأمراض مستقبلية مثل الجلطة القلبية.
الدكتور عبدالمجيد رياض حلاب، من مواليد طرابلس سنة 1957. درس الطب في فرنسا متخصصاً في «الطب الباطني»، وعندما انضم إلى نقابة الأطباء في طرابلس عام 1999، كان عدد المنتسبين اليها من المتخصصين في الطب الباطني 11 طبيباً فقط.
يعمل حالياً في مستشفى بمدينة نانت (Nantes) الفرنسية، إضافة إلى أنه يملك عيادته الخاصة هناك. كما يتواجد في لبنان في أوقات محددة لإجراء معاينات طبية في مدينته طرابلس.
الغاية من الجهاز
بعد سنوات من الأبحاث، قام د. عبدالمجيد رياض حلاّب باختراع طبي، سُجِل في فرنسا في كانون أول 2014، وبراءة الاختراع هذه عالمية، وهو يتطلع الآن إلى وضعه في خدمة القطاع الصحي اللبناني. فكان هذا موضع حوار «التمدن» معه، فأوضح بداية الغاية من هذا الجهاز:
»إن حوالي 20 بالمائة من الأشخاص الذين يتم إدخالهم إلى العناية الفائقة بسبب إصابتهم بالجلطة، لا يعانون بالضرورة من أمراض كالسكري أو الضغط أو الكولسترول، حتى إنهم لا يدخنون. لكن، وبعد خضوعهم للفحوصات وعلاجهم من الجلطة، يتبين أنهم كانوا قبلها مصابين بتصلب في الشرايين، إلا أننا كأطباء لا نتمكن عادة من الوصول الى هذا الاستنتاج أو التشخيص إلا بعد فوات الأوان، أي بعد الإصابة بالجلطة. لذلك عملتُ على إختراع يكشف إذا ما كان الشخص معرضاً للإصابة بـ «تصلب الشرايين» قبل حدوثها».
الاختراع - الإنذار
تابع د. حلاّب: «هذا الاختراع «pOpmètre» عبارة عن جهاز يقيس عمر الشرايين وليونتها ونسبة تصلبها وبالتالي معالجتها قبل حدوث الإصابة بالجلطة. أي أنه يعمل كجهاز إنذار مسبق، يكشف الخلل قبل وقوع الإصابة.
- وهو جهاز سهل الحمل، يمكن ربطه بأي جهاز كومبيوتر يعتمد نظام الـ Windows.
- له شريطان، في نهاية كل منهما ملقط، يلتقط أحدهما إصبع يد الشخص الذي يتم فحصه والآخر إصبع قدمه، لمعرفة العمر والطول.
- يقوم الجهاز عند تشغيله، بإجراء فحص آلي يحدد نسبة تصلب الشرايين، إن وُجد، وبالتالي تحديد مدى الحاجة إلى علاج مسبق ونوع العلاج. وهو بذلك يساعد على توفير حياة أفضل للإنسان؛ شخصياً وعائلياً وعملياً«.
وأضاف د. حلاّب: »عملت على تصميم هذا الجهاز بالتعاون مع: مهندس إلكتروني، إذ أجرينا عدة تجارب للتأكد من صحة ودقة الفحوصات والنتائج. وبالتعاون مع «مستشفى جورج بومبيدو» في باريس، الذي يضم مركز أبحاث خاصاً بالشرايين، حيث تم التأكد من فعالية الجهاز. وبالتعاون مع الدولة الفرنسية التي تُشجع المشاريع المنتِجة وخاصة في مجال الصحة.
هذا الاختراع الجديد مصدَّق عليه ومسجَّل في السوق الأوروبية المشتركة، وبعد نجاح التجربة هناك، ندرس الآن إمكانية نقلها إلى لبنان، حيث سأقوم شخصياً بعرضها على العاملين في المجال الطبي، مع إمكانية التعاون مع شركة متخصصة في هذا المجال في بيروت».
المواصفات
وعن مواصفات الجهاز وكيفية استخدامه قال د. حلاّب:
- الجهاز سهل الحمل والنقل، لإجراء فحص القياس بواسطته لأي شخص، سواء كان في المستشفى أو في العيادة.
- يستخدِم هذا الجهاز أطباء متخصصون، بعد تلقيهم دورات تدريبية.
- عشرون ثانية فقط، هي المدة التي يستغرقها الفحص للحصول على النتيجة.
- الفحص يكون غاية في الدقة، والنتيجة تسمح باتخاذ قرار بشأن العلاج اللازم.
- يتوجب على من يُجرى له الفحص أن لا يكون واقفاً أو مُرْهَقاً، تماماً مثل فحص ضغط الدم، مع العلم أن هامش الخطأ في فحص ضغط الدم يصل إلى 30%.
إن 20% من الأشخاص الطبيعيين، يعانون من مشكلات في الضغط والقلب والشرايين دون أن يعلموا بذلك، لذلك جاء هذا الاختراع ليبين، وبدقة عالية، الوضع الصحي للشخص الذي يَخضع للفحص».
أضاف د. حلاب: «هناك مثلاً نوعان من مرض السكري:
الأول يُسبب مشكلات صحية بشكل سريع جداً وهو يحتاج إلى تشديد في العلاج.
والثاني قد يُسبب تطور مشكلات صحية ببُطءٍ. والمصابون بهذا النوع يمكن متابعتهم ومعالجتهم قبل تطور حالاتهم إذا كُشف مبكراً عن وجود تصلب في شرايينهم بواسطة جهاز الـ pOpmètre».
وعن الدوافع الشخصية وراء هذا الاختراع، كما لدى الكثيرين من المخترعين، قال د. حلاب:
«بالإضافة إلى الدافع الإنساني هناك سبب شخصي، فوالدي رحمه الله، أصيب بجلطة قلبية عندما كان في الـ 40 من عمره، وتوفي بعدها ببضع سنوات. كان عمري يومها 16 سنة، وقبل وفاته كان يرغب بأن أدرس الطب، أما أنا فكنت أرغب بدراسة الهندسة. سافرت إلى فرنسا سنة 1975 وتسجلت في الاختصاصين، فقُبلت في تخصص الطب.
بقيت مسألة ظروف وفاة والدي عالقة في ذهني، وفي سنتي الجامعية الخامسة، كنت في لبنان، واطَّلعت على ملفه الطبي، فلم أجد انه كان مصاباً بالسكري أو الضغط أو الكولسترول، بالإضافة إلى أنه لم يكن مدخناً، فكانت هذه المسألة دافعاً وراء اختراع هذه الآلة».
عمر الإنسان من عمر شرايينه
وفي حديثه عن الشرايين أشار الى: «ان شرايين الإنسان تتحمل ضغطاً بدرجة معينة، لكنها إذا كانت مصابة بخلل ما فإنها تكون أكثر عرضة للتسبب بالجلطات. هنا تَصِح مقولة «عمر الإنسان من عمر شرايينه»».
وأضاف: «إن تصلب الشرايين يشبه تكلس (نباريش الغسالة) مما يُتعب (الموتور)، هكذا هي العلاقة بين الشرايين والقلب. ولا يوجد حد أدنى أو أقصى لعمر الإنسان يمكن خلاله أن يُصاب بتصلب الشرايين أو جلطات القلب. فقد تكون الإصابة نتيجة للعوامل الوراثية أو لأسباب أخرى، لذلك أنصح بالوقاية لأنها خير من العلاج».
وعند سؤاله عمّا قام به من أجل عرض هذا الجهاز وفوائده تحضيراً لإطلاقه في لبنان قال: «إنه عقد محاضرة في «مستشفى المظلوم» بحضور عدد من الأطباء للتعريف بالجهاز وفوائده، وكيفية استعماله، ومميزاته التكنولوجية، وسبل العلاج الطبية وغير الطبية». وأشار إلى خطة مستقبلية لعقد دورات مكثفة للأطباء لتعريفهم بكيفية إستخدامه ومدى فعاليته.
وعما إذا كان الجهاز الذي اخترعه يُغني عن استخدام أجهزة اخترعت سابقاً قال:
«رغم مرور 40 سنة على إجراء أبحاث على تصلب الشرايين، وأكثر من 15 سنة على متابعة عشرات آلاف المرضى، لا يمكن ان نلغي، بلحظة، إستعمال تلك الأجهزة، لكن قياس تصلب الشرايين يعادل قياس الضغط والسكري والكولسترول، وهذه المعادلة معترف بها في كل أوروبا وأميركا من قبل المؤسسات العالمية للقلب والشرايين».
وأكد «ان هذه الفحوصات المسبقة بواسطة هذا الجهاز هامة وهي معتمدة في أوروبا ومغطاة من قبل شركات التأمين هناك، ونأمل ان يعتمدها الضمان وشركات التأمين في لبنان».
د. عبد المجيد حلاب أنهى حديثه مؤكداً أن: «الفحص بواسطة الـ pOpmètre لكل الناس، وخاصة المصابين بالضغط، فإذا كان مرتفعاً فإن المصاب يحتاج للعلاج السريع، لذلك أنصح بالكشف المبكر خوفاً من تصلب الشرايين وبالتالي الجلطات القلبية».
(المصدر: التمدن)