Follow us

image

والخير لقدام... ~بقلم: أمل عربي

أمل عربي – جبلنا ماغازين

يحكى عن وطننا بأن الجزء الأكبر من اقتصاده يقوم على السياحة. فتقاس أرقام زواره، بنسب متفاوتة بين سنة وأخرى، بين المليون والمليون ونصف زائر. ولبنان، البلد الذي يتوزع أبناؤه بالملايين على كل بقاع الأرض، في مفكرة أعياده يوم للمغترب اللبناني، هو الحادي عشر من آذار من كل عام... وهو يوم منسي بين أيامنا المتسارعة بين الهموم، فيما هو في الحقيقة الأكثر حضوراً. ففي كل بيت وكل عائلة هنالك مغترب.

اختلطت على الوطن الأسماء. فهذا المليون سائح هو في معظمه هذا المغترب - أو المهاجر - الذي يزور أهله ليلقي التحية على بلد الأرز، بعد أن أضحى الوطن محطةً استراحة واستجمام.

يأتي ليملأ جعبته محبة مفقودة وأماناً ضاع في وحشة الغربة... ينفض عنه غبار الحنين... يفك هواجسَ لبسَها مذ رحل... فيأتي ليختزن في ذاكرته حفنةَ حبّ، ويرحل.

بعضهم يأتي ليرى وجه أمه ويقول بوجه باسم يفضح حزنَه المخفي صوتُه المخنوق: "ماما.. أنا بخير"!

يعود ليقبل يدين ترتفعان إلى السماء راجيتين: "يا الله... أولادي! أرفق بهم وارفق بحالي! فأنا أردت لهم مستقبلاً سُلب منهم في وطنهم، وأردتهم أحياء لا مشروع أموات، لذلك رضيتُ بحضورهم المتقطع عن عينيّ، حتى لا يضنيني غيابٌ أبدي.."!

هم السياح... سياح في بلدهم!

أصبح المغترب اللبناني هو السائح في وطنه... وهو مصدر السياحة التي نتباهى بها.

حين كُشفت ملفات الفساد الغذائي، خافوا على السياحة..

وحين تحصل هزات أمنية، يخشون على السياحة..

ولكنهم بالمقابل لا يخشون على الاستقرار من الهزات التي تسببها حلقات المصارعة الدائرة بينهم عبر الشاشات ومن الفراغ القاتل السائد بسببهم في قصر بعبدا! ولا يخافون على شبابنا الساهرين على أبواب السفارات بانتظار "فيزا" تحملهم إلى حيث بعض أحلام وبعض أمل وفرصة عمر بالحصول يوماً على جنسية أخرى تضمن حقوقهم وحياتهم وموتهم... وقبل كل شيء، كرامتهم! فتسرقهم من بلادهم، جسداً وروحاً... وتلفظهم إلى البعيد أسماءً نفتخر بها وبانجازاتها خلفَ البحار... لكنها لنا مجرد أسماء تجمعنا بها صلة وطن وصِفةُ "لبنانيّ الأصل"!!

كانوا مواطنين... فصاروا سياحاً في بلدهم ومواطنين في بلدانهم الأخرى... يزورون لبنان فقط لكي يقبلوا جبين وطنٍ ويرحلوا من جديد.

...والخير لقدام!