Follow us

image

عندما تصبح لبنانية سيدةَ أفغانستان الأولى

عن "جريدة النهار" – مقال جوزف قصيفي:

 

أفغانستان التي دمّرتها الحرب، وقضت على معالمها الحضارية والتراثية، وخيضت على أرضها المعارك التي أحدثت تحولات جذرية في خريطة النفوذ العالمي الذي تقاسمته واشنطن وموسكو بسحابة عقود طويلة، وأسست لانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط دول منظومة الستار الحديدي. أفغانستان التي أطلعت الفوضى التي نشأت إثر تداعي النظام الشيوعي فيها وانسحاب الجنود السوفيات، حركة "طالبان" الأم الشرعية للـ"قاعدة" التي انبثق من رحمها تنظيم "داعش" ومن إنتسب اليه فكراً وأسلوباً، اختارت احد المتنورين من أبنائها ليكون رئيساً للجمهورية.

سحر الحضور
إنه أشرف غاني الذي عرفه لبنان استاذاً في الجامعة الأميركية ببيروت، و"صهراً" باراً عندما ارتبط باللبنانية رلى فؤاد سعاده، تلميذته التي أغرم بها، وأعجب بذكائها المفرط وثقافتها وانفتاحها. فهذه اللبنانية التي تعود أصولها الى بلدة المريجه - الليلكي المارونية في ضاحية بيروت الجنوبية قبل أن تخلو من ابنائها الذين كانوا ضحية الفرز الطائفي، أسوة بإخوان لهم في المواطنة في غير منطقة من مناطق لبنان، كان لها جرأة تخطي الاعراف والتقاليد، وهي بنت عائلة محافظة، واقترنت بغاني المسلم الآتي من بلاد العجم، والوافد من ثقافة وتربية مختلفتين شكلاً ومضموناً. لكنه الحب الذي لا يعترف بحدود أو سدود، ويذوّب كل الفوارق، ويدني المسافات، ويجمع القلوب، ويوحّدها، قبل توحيد الألسن.
ليس قليلاً أن تغرم ابنة المريجه، وتتحدى محيطها، وتتجاوز ما تربت عليه في مجتمعها العائلي وحتى الوطني، لتقترن بالشاب الافغاني الذي سحرها بقوة حضوره، وعمق ثقافته، وسعة علمه. وقبل أي شيء بحسّه الانساني المرهف.
دافعت عن قرار الاقتران به أمام والدها فؤاد سعاده وهو كان مديراً عاماً للزراعة، وحاكماً سابقاً لاندية "الروتاري" في العالم، وصاحب "الكونتوار" الزراعي، وكان لديها من ثبات الموقف والقدرة على الاقناع، ما حمل العائلة على مباركة قرارها وتوفير الدعم لها. ولعّل البيئة المثقفة التي ترعرعت فيها مع شقيقها رياض المهندس الزراعي الطليعي، رفدتها بكل هذه الجرأة الأدبية التي يندر وجودها لدى إمرأة تعيش في بلد كلبنان، طالما عانى انقسامات طائفية ومذهبية.
ان اشرف غاني المعتز بإسلامه، وله رؤية واضحة ومميزة للاسلام الصحيح المتصالح مع العصر، المطلّ على الحداثة، هو نقيض "الطالبانية". وإن اقترانه بلبنانية مسيحية مارونية من جبل لبنان، لا يلغي إيمانه بدينه، ولا يتنافى مع تعاليمه، لأنه يدلّ الى علمانية مؤمنة متمكنة منه، مستحوذة على سلوكه، وتذهب به الى حدّ ملامسة الفكر المستنير لعلماء مسلمين من الشيعة والسنّة، توغلوا في أوردة الدين الحنيف واستخرجوا منه النسغ الذي يمدّ غصون الانسانية بأسباب الحياة، فتورق عدلاً ومعروفاً وإحساناً.

مكافحة الأميّة
ما يغبط لبنان ان اسماً علماً اضيف الى لائحة "اصهرته". على أن من علامات الأمل لافغانستان التي تَلِغُ في دماء أبنائها أن يقودها متنوّر تنقل من التعليم الجامعي، الى أعلى المراتب في البنك الدولي، فوزارة المال، وجاب العالم مطلعاً على ثقافاته، مستوعباً أسرار تقدمه وتطوره، تقف الى جانبه لبنانية أحبته، واحترمت مواهبه، وأخلصت لوطنها الثاني وأتقنت لغته نطقاً وكتابة. وهي ستكون على ما يقول عارفوها، وذوو قرباها على قدر ما ينتظرها من مهمات كسيدة اولى، خصوصاً في مجال مكافحة الأميّة، وتحرير المرأة وتعليمها، وتحفيزها على كسر حاجز الخوف والثورة على العبودية والاسترقاق، وتعميم الثقافة الاجتماعية المعاصرة بوجوهها كافة. فرلى سعاده لم تسلس القيادة للصعوبات، ولم تنحنِ أمامها، بل عمدت على قهرها، مذ قرّرت أن تتجاوز تقاليد بيئتها، واتباع "بوصلة" قلبها التي استقرت على ذلك الذي سيحاول إعادة صوغ بلاده المنكوبة بفكره المتوهّج، وبصيرته الثاقبة، و"ريشة" الأمل... الذي لولاه لكان العيش ضيّقاً
.