Follow us

image

فيروز... تبقى فيروز! بقلم: حسن الحسيني

أثار إعلان الفنان زياد الرحباني أن أمه، السيدة فيروز، تحب زعيم حزب الله السيد  حسن نصرالله في إحدى المقابلات الصحافية عاصفة من ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، حتى أن اللبنانيين انقسموا في موقفهم من فيروز نفسها. البعض ذهب الى حد القول إن فيروزاً لم تعد فيروز؛ والبعض الآخر هلّل وابتهل على اعتبار أن ابنها زياد نقل عنها أنها تحب حسن نصرالله وما يسمى بفريق الممانعة مجيراً هذا التصريح المنسوب لها إلى الممانعين...

ولكن فيروز ليست ملكاً لأحد. إنها ضميرنا... تراثنا... وأجمل ما تبقى لنا!

 

فيروز... تبقى فيروز!

بقلم: حسن الحسيني – جبلنا ماغازين


كبرتُ على حلم قدمته مع الأخوين رحباني في مهرجانات بعلبك، معرض دمشق، والبكاديللي. قد اكون قد هضمتُ "بيبرونة" الحليب مع صوتها من دون أن أتذكر أو أعرف ذلك. ولكن منذ أن بدأت الذكريات تترسخ في الذاكرة، أعرف مسألة اكيدة: أنني ترعرعتُ على حلم التغيير ورفض الانتماء الى لبنان المزرعة... من أكياس الطحين والاتجار بمآسي اللاجئين، إلى شرطي السير مع فيلمون وهبه، ودائماً معه، ومع الجماهير الغفورة وليس الغفيرة... هذه الجماهير، التي كما يقول ومعه الرحابنة دائما نتغفر، وهي اليوم تتبع وتلحق بالركب دون أن تنتبه أو تعير أي اهتمام إلى المنعطفات مهما كانت حدتها أو خطورتها.

صوت فيروز جعلني أصحو على الكثير من المسائل... فهو رفضَ القهر والظلم والاضطهاد، كما انه ساهم في انضاج وعيي السياسي، من الغضب الساطع الى جسر العودة وأغاني الشام، التى صادرها ذات يوم الجنرال ميشال عون خلال حربه التحريرية الوهمية ضد القوات السورية في لبنان عندما قال بما معناه "غنينا لهم الشام بيقصفونا".

وفيروز ليست الأغاني الوطنية والعاطفية فقط، بل هي، من خلال أغانيها، بما فيها الأخيرة من تلحين زياد الرحباني، كانت منذ الخمسينات والى اليوم، تجسّد التمرد على التقاليد والعادات الاجتماعية من أغنية "مشوار" إلى "قالوا صار عندك ولاد"، فهي تعكس إلى حد ما، التغييرات التي طرأت على مجتمعنا، هذا اذا كان لدينا مجتمع واحد، وأعني هنا حالات الطلاق التي لم تكن موجودة قبل الحرب كما أضحت عليه الآن.

فيروز تبقى لكل اللبنانييين، بل لكل العرب ولجمهورها الذي يتخطى البلاد العربية. فهي النجم الساطع في صحراء واقعنا اليوم مهما يكن موقفها من هذا وذاك؛ علماً أنها لم تعبر عنه مباشرة، بل عبر ولدها زياد، وهي حرة فيه. كما أنها تعبر عن حالة يتقاسمها الكثير من مسيحيي الشرق في خوفهم من المجهول الآتي مع داعش والنصرة وأشباههما على المنطقة، وليس فقط على مسيحيّيها.

قد يكون إعلانها عن حبها لحسن نصرالله ينطلق أيضا من تاريخ الرجل وليس من مشاركة مقاتلي حزبه في الحرب إلى جانب النظام السوري. علماً أن غالبية أعمال فيروز والرحابنة كانت، في جزء منها، تطال هذا النظام، المسؤول الى درجة كبيرة في إيصال الأوضاع إلى ما وصلت اليه في بلادنا.

كل طرف في هذا الاصطفاف الدائر اليوم يحاول أن يجيّر أو يستحوذ على موقف فيروز، وهي أكبر منه بصوتها، بآهاتها، بالحفاظ على المندثر من عاداتنا، وحكايات الضيعة والعين - مركز الحياة الاجتماعية والعاطفية فيها، والخناقات (أي الاقتتال بالأيدي ويالعصي) في القرى، كما كان يتم في الكثير من الأحيان بسبب الخلاف على دور "السقاية".

كلّ يحاول أن يجد فيروزَه. أما هي، فحرة بموقفها؛ ولكنها تبقى أكبر من الخلاف الدائر حوله ومن محاولات تجييره.

*حسن الحسيني (إعلامي)
 باريس