Follow us

  • الصفحة الرئيسية
  • بين مقيم ومغترب.. لماذا يستثمر الشباب اللبناني في مجال المطاعم والسهر؟ -تحقيق كاتيا سعد
image

بين مقيم ومغترب.. لماذا يستثمر الشباب اللبناني في مجال المطاعم والسهر؟ -تحقيق كاتيا سعد

بين لبنان، لندن وكندا... هكذا يحبّ اللّبناني أن يوجّه استثماره

بين فنّ المائدة وبريق السهر، يحجز اللّبناني له مكانة وبطاقة

كاتيا سعد - باريس

لم تعد القصة غريبة على لبنان أو حتى على أبنائه عندما يندرج اسم مواطنه، مقيماً أم مغترباً، ضمن لائحة المستثمرين في أيّ مجال كان. فالاستقلالية جينة من جينات اللّبناني، والطموح فئة دم تُطبع على بطاقة هويّته؛ وإن اختلف مع الآخر من حيث انتمائه الديني، العائلي والاجتماعي، إلاّ أنّه يجتمع معه بحبّه للتوسّع والنجاح وبالتالي الاستثمار بمشروع خاص متى سنحت له الفرصة بذلك كإحدى العلامات التي تجسد هذه النظرية على أرض الواقع. وهذا ما حقّقه كل من كلود سابا، زاهي رزق الله، سامي خويري وأنطوني جلبوط. هم شباب لبنانيوّن، توجّهت بوصلة استثمارهم نحو إدارة المطاعم وحياة الليل والسهر (Night Life)؛ أمّا أداتهم فكانت الدراسة أوّلاً، والمثابرة في العمل ثانياً... وبين مقيم ومغترب، لماذا يستثمر اللبناني أكثر فأكثر في هذا المجال؟! فضولي دفعني لمعالجة هذا الموضوع، وكلّ على طريقته يروي حكاية نجاحه وعلاقته بالوطن والمهنة... 

كلود سابا: السهر في الـ White تجربة بحدّ ذاتها

كلود سابا، من سكّان  الصيفي في منطقة الأشرفية. تعلّم إدارة الأعمال في جامعة الـ LAU (الجامعة اللّبنانية الأميركية) ودخل مجال المطاعم وحياة الليل - السهر أثناء دراسته الجامعية. واليوم، في عمر الـ 33، يحقّق طموحه في هذه المهنة التي بدأها من الصفر و"كتر خير الله أخذت أتطوّر، ووصلت إلى ما أنا عليه اليوم وما زلت في بداية المشوار". وترافقت دراسته مع سماته، ويقول: "أنا رجل اجتماعي، أحبّ التعامل مع الناس كما أحبّ الليل والسهر... وأنا بعيد كل البعد عن العمل المكتبي". وقد شغل كلود منصب مدير في أكثر من مكان قبل أن ينضمّ وبصفة مدير إلى شركة AddMind عام 2003-2004، لصاحبها طوني الهبر، التي تأسّست عام 2000 وتُعنى بإدارة المطاعم من الألف إلى الياء بدءاً بالفكرة وصولاً إلى الإدارة (Concept Creation & Fnb Management Company). وعام 2006 أصبح شريكاً في الشركة إلى جانب كريم جابر وجاد أبو جودة ؛ ومدير عام النادي الليلي White في بيروت (الذي تمّ افتتاحه عام 2006) ومن ثمّ مدير العمليات للشركة. ويضيف قائلاً "كنت أؤمن منذ اليوم الأول لدخولي الشركة، وكانت ما تزال شركة صغيرة، بشخص اسمه طوني الهبر، وبدأنا سوياً نفكّر بالخطوات من أجل جعل الشركة تكبر". ويعيد كلود هذا النجاح الذي حصدته الشركة اليوم إلى فريق العمل أيضاً: "أقوى شيء في الشركة هو فريق العمل الموجود فيها". وعليه، فإنّ AddMind هي أكثر من شركة وإنّما "امبراطورية"، فرعها الرئيسي في بيروت، ولديها فرع في دبي وآخر في أبو ظبي، وتضمّ 16 علامة تجارية وحوالي 20 محلّ، وتؤمّن اليد العاملة لـ 750 شخصاً بين لبنان والإمارات. واليوم تحقيقنا يحكي حكاية الـ White الذي يعتبره كلود "baby" الشركة، وهو من أشهر النوادي الليليّة Night Club في لبنان، وحصد جائزة World’s Finest Club2015 وهي مؤسّسة عالمية متخصّصة باختيار أفضل وأرقى الملاهي والنوادي الليلية.

فلماذا تلمع صورة الـ White ويبدو في مقدّمة الشركة؟ يقول كلود : ببساطة لأنه من أقدم النوادي الليلية المفتوحة (open night club) في فصل الصيف، وتمّ التركيز عليه وعملنا المستحيل ليكون الصورة للشركة، وبالفعل "نجحنا في الوصول إلى هدفنا وتحقيق نتائج هامة إن على صعيد السمعة أو الأرباح". ويضيف : "السهرة في الـ White تجربة قائمة بحدّ ذاتها، وتُبقي في ذاكرة الشخص ذكريات لا تُنسى".

وعن أهم الصعوبات التي تواجههم، يقول كلود بأن الوضع الامني السياسي هو أهمّها و"لكن سرعان ما يعود لبنان ويزدهر من جديد". ويساهم الـ White في إعطاء صورة إيجابية عن لبنان و"مدى قوّة أبنائه وقدرتهم على الصبر والتحمّل، ويضلّ راسو مرفوع ويعرف اللبناني كيف يسهر ويسهّر الناس" على حدّ قوله. وعلى الصعيد الخارجي، تمّ افتتاح الـWhite  عام 2013 في دبي، والسبب بحسب كلود : "دبي هي البلد العربي الوحيد المنفتح على حياة الليل – السهر، كما أنّ دبي تمثّل مركز الأعمال... بالإضافة إلى أنّ الإمارات تشجّع السياحة ويسهل التوسّع فيها". ومن ناحية المردود، فيؤكّد بأنّ الربح اليوم أكبر في الخليج منه في لبنان نظراً لاستقرار الحالة أكثر هناك وتواجد عدد أكبر من السكّان. وبالأرقام، فإنّ White – لبنان يستقطب سنوياً بين 150 ألف شخص و180 ألف، بينما في دبي فهو يستقطب بين 240 ألف شخص و300 ألف. وينتظر كلود من لبنان الرواق والاستقرار وعودة السوّاح إليه، وأن يرتاح البلد وترتاح الناس، و"بعدنا باقيين لأنو منحبّ لبنان ورح نبقى في مدى حياتنا... وعم جرّب أعطي لبنان قدّ ما فييّ وخليلو صورتو نظيفة، وإذا لبنان عم بيقصّر بحقّ الـ White بيرجع غير نهار بيردّلو ياها".

زاهي رزق الله : تاريخ لبنان وراء وجود عنب ودنيا وTSU

وليس بعيداً عن كلود سابا ونظرته التفاؤلية بلبنان وإصراره على عدم مغادرته، نجد زاهي رزق الله (37 عاماً) وهو أحد شركاء مطاعم "عنب" و"دنيا" و"TSU" ("تسو") يقول : "أكيد، أكيد، لا أفكّر بمغادرة لبنان". ويعتبر زاهي بأنّ كل لبناني قادر على القيام بأمر ما داخل بلده فلا يجب أن يتركه وإلاّ يفرغ البلد من أبنائه"، ويرى على العكس "نحنا لازم نضلّ ونشجّع غيرنا يرجع، وحتى لازم نشجّع الأجنبي مثلاً يترك بلده ويقصد لبنان بدل ما نحنا نترك بلدنا ونروح لعندن". وها هو زاهي رزق اللّه، من قضاء بعبدا، والذي درس إدارة الفنادق، يُترجم ما يقوله من خلال استثماره في 3 مطاعم. وما وصل إليه زاهي اليوم، هو نتيجة للنشاط الذي بدأه منذ سنوات الدراسة الجامعية وما بعد في هذا المجال إلى حين تمكّن من الاستثمار في أول مشروع خاص له عام 2012 بمطعم "عنب"، تلاه "دنيا" عام 2014 و"TSU" عام 2015. 

فلماذا اعتمد استراتيجية بالاستثمار في 3 مطاعم مختلفة؟ وما الذي يجعله يستثمر في هذا المجال في حين أنّ هناك عدداً لا يُستهان به من المطاعم؟ بكل بساطة وبنبرة المتفائل بلبنان، يجيب قائلاً: "مظبوط في كتير مطاعم بس لبنان بيتحمّل". ويعتبر بأنّ لبنان بلد سياحي ويرغب السوّاح بزيارة مطاعم جديدة والتوجّه إلى أماكن السهر. أمّا عن فكرة افتتاح أكثر من مطعم، يقول زاهي بأنّ الهدف من ذلك هو القيام بشيء جديد للبنان و"ليس افتتاح مطعم "عنب" [تمّ ذكره على اعتبار أنّه المشروع الأول]  ومن ثم نغمر الدنيا بنفس المطعم"، ومن ثمّ افتتاح مطعم آخر بفكرة مختلفة. ولكن ما هي الاستراتيجية لضمان هذه الاستمرارية؟ فيقول : "مع الأسف، في لبنان ما من شيء يضمن ذلك" ؛ ثمّ يتابع مبتسماً "نقوم بما يتوجّب علينا فعله : لقمة طيبة، محلّ حلو ونسعى للتحسين دائماً مع الأخذ بعين الاعتبار كلّ تعليق دون أيّ تهميش". أمّا عن الخصوصية التي يحملها لزائره كل من عنب ودنيا وTsu؟ يقول زاهي : "الهدف من "عنب" كان إقامة مطعم بجوّ شعبي – لبناني، وعليه تمّ افتتاحه في بيت قديم في منطقة مار ميخائيل/بيروت". وكان من بين الأوائل الذي تمّ افتتاحه آنذاك يوم لم تكن المنطقة على ما هي اليوم تنبض بأقدام الناس وصخب المطاعم والنوادي الليلية الأقرب إلى الـ resto/pub ؛ ومن ثم، اكتملت الفكرة بالديكور ونوعية الطعام وحتى الأسعار تتلاءم مع كل الطبقات. أمّا "دنيا"، الواقع في منطقة السوديكو – بيروت، يقول "أردناه أن يحمل طابعاً أكثر رقياً وأقلّ شعبية وحتى أسعاره مرتفعة"، ويتخلّله على مدار الأسبوع أجواء "ترفيهيّة" منها: عوّاد [عازف العود] يعزف بطريقة عصرية، مشاركة بعض الفنّانين ترافقهم فرقة موسيقية مع راقصات ؛ وهذا ما يجذب إليه كل الناس والمشاهير، الأمر الذي جعل صورته حتى في الإعلام أكثر بروزاً. أمّا Tsu، في شارع عكّاوي – بيروت، فكان الهدف إيجاد فكرة جديدة في المطبخ الآسيوي فمزج بخلطة عصرية ما بين المطبخ الصيني والياباني في آنٍ واحد، ولكنه بالمقابل يشبه لبنان بديكوره، وجوّه مزيج ما بين اللبناني والآسيوي.

ومن بيروت، كانت الانطلاقة "فهي قلب لبنان النابض" على حدّ قوله، ليكون "عنب" فيما بعد متواجداً في منطقة الضبيه وفرعَين في مصر وفرعاً في دبي، وبدأ العمل لافتتاحه في تركيا ؛ أمّا "دنيا" فيتمّ العمل على فكرة افتتاح فرعاً له في الكويت. أمّا من حيث الأرباح، فيقول : لا تجوز المقارنة بين لبنان ومصر، لأنّ عدد السكان في مصر يفوق "بأشواط" عدد سكّان لبنان. وعن احتمال التوسّع في الدول الأجنبية، يقول زاهي بأنّ هذه الفكرة ممكنة باعتماد مبدأ الـ franchise و"لكن لا نفكّر جدياً بالانتقال شخصياً إلى الخارج، لأنّ المطعم اللبناني بحاجة إلى مواد غذائية محلية طازجة، وإن وجدت المكوّنات خارجاً فهي بالتأكيد ليست بنفس النوعية" وهذا "ما يجعل التوجّه إلى بلد عربي أكثر ضمانة".

وبذلك يكون "عنب، دنيا وTsu" حجزوا مكانة لهم في دليل المطبخ اللبناني، و"نحنا منعمل اللّي علينا ومنطلب من اللّه يوفّقنا" نظراً لوضع البلد الغير مستقرّ. بهذا قدّمت هذه المشاريع بنجاحها إَضافة إلى اقتصاد لبنان وصورة لشعبه الصامد في ظلّ الأوضاع غير الآمنة، بعد أن قدّم بدوره الكثير لها فـ "لو لم يقدّم لبنان الكثير لما كان هذا النجاح... هو قدّم أهمّ ما لديه : تاريخه". وهذا ما يجعل من هذه المطاعم رسالة أكثر منها مشروعاً هدفها أن تخدم لبنان أولاً والخارج ثانياً بسوّاحه وباللبنانيين المقيمين على أرضه.         

سامي خويري: طعم نجاح The Cedar كان ليكون أجمل في لبنان

وعلى غرار من سبقه في دراسة إدارة الفنادق والمطاعم والاستثمار في مشروع خاص، نجد سامي خويري، من ضيعة رعشين، يدخل هذا العالم وهو يحمل في يده خلفية عائلية، فـ "والدتي كانت "عشّية" ووالدي كان يملك مطعماً في منطقة وطى الجوز، فتربّيت على المونة اللبنانية، وقطف الزعتر،  تحضير المربيّات، الكشك، السمّاء وغيرها...". وحلم الطفل الصغير بأن يكون لديه مشروعه الخاص قد تحقّق في عمر الـ 36 سنة في لندن من خلال مطعمه The Cedar "ذو سيدر" الذي توسّع ليشمل ملحمة وcatering، والذي حصد عام 2014 جائزة "أفضل مطعم وجبات سريعة 2014 Best Take Away 2014 »" من قبل مؤسسة Hungry House التي تختار مطعماً واحداً سنوياً من أصل 9000 مطعماً عن هذه الفئة، وكان يُصنّف منذ عام 2011 واحداً من أفضل مطاعم الوجبات السريعة.   

واللافت بأنّ شغفه وحبّه للطبخ وعمله منذ سنّ الـ 15 في مجال المطاعم، اصطدم بداية مع الأحكام المسبقة في مجتمعنا العربي للعمل في هذا المجال. ويقول "في لبنان، ليس هناك قيمة لمهنة الشيف وفكرة أن تكون طبّاخاً ليست محبّذة لدى اللبنانيين"، فبدأ بدراسة علوم الكومبيتر ثمّ المحاسبة، ولكن في النهاية قرّر دخول إدارة الفنادق والمطاعم "وأنا كتير مبسوط وفخور بمهنتي". وعام 2004، حمل سامي خبرته وجواز سفره متّجهاً إلى لندن ونال دعم أحد أساتذته الشيف جو برزا "وهو أستاذي، وعلّمني الكثير في عمل المطبخ وإدارته"، وساعده للعمل في مطعم نورا في منطقة "البيكاديلي" حيث قضى 6 أشهر لينتقل عام 2005 إلى أوتيل "الماريوت". وعام 2008، دخل شريكاً مع جورج عرايس، صاحب المطعم اللبناني The Cedar الذي تأسّس عام 1992، والذي قام بشرائه عام 2011.

 ولكن ما الذي يدفعه إلى الاستثمار بمطعم لبناني؟ يجيب قائلاً: "لأنني كنت أعمل في المطعم قبل أن يصبح لي، وكنت شريكاً أيضاً". ومن ثم عمل على تطوير نوعية الطعام، والاستثمار كثيراً بفريق العمل الذي ما زال يعمل معه حتى اليوم، و"نؤمّن الطعام اللبناني على مستوى عالي والحمدلله وصلنا إلى تحقيق النجاح"، وعملنا على افتتاح فرع ثان بمساحة أكبر ليشمل مناسبات دينية واجتماعية وغيرها. ويترافق هذا النجاح في الاستراتيجية مع شخصية سامي الذي يسعى دائماً إلى أن يتعلّم من الآخر و"أنا أصغي جيداً للآخر، ولست متكبّراً وأتقبّل كل الملاحظات التي توجّه إليّ". ويضيف "الشخص لما يكون منيح، الله يكافئه من دون أن يدري متى وكيف". و"ذو سيدر" اليوم يتبع له أيضاً ملحمة وcatering، ولديه فريق عمل بغالبيته من اللبنانيين و"كلّنا يد واحدة. ولا أنسى الشيف ماريوس ناهض الذي ساعدني في بداية عملي في المطعم، وما زلت أعتبره كشريك وليس كموظّف، وهو من ساعدني للاتّجاه نحو الـdelivery . وما زلت حتى اليوم آخذ برأي كلّ من جورج وماريوس"، وحتى أنه ما يزال يستشير أمّه في بعض الوجبات. ويعتبر سامي، كونه هو الشيف الرئيسي وصاحب المطعم، بأنّ ذلك يؤمّن تناسق أكبر في ممارسة العمل ويحدّ من خطر الخسارة ويزيد من فرص الربح، وتكلّل ذلك بحصوله على جائزة "Best Take Away 2014" التي جاءت نتيجة عمله النظيف والمثابرة ودقته في كل شيء وفي كل وجبة طعام تخرج من مطعمه بالإضافة إلى العمل كفريق عمل.

فماذا لو يشارك سامي هذا النجاح في لبنان ويستثمر في بلده؟ يقول جازماً "حالياً، ليس وارداً ذلك". وناهيك عن الوضع الأمني غير المستقرّ للبنان، يعلّل سامي، وإن لا نستطيع التأكيد أو النفي بشكل تامّ، بنقطة هامة : "في لبنان، السمكة الكبيرة بتاكل الصغيرة، وتحدث أحياناً أموراً تحت الطاولة (...) وأتمنّى تظبط الأمور ونرجع". وبعيداً عن لبنان - العمل، فهو يحنّ دائماً للعودة إلى لبنان – الوطن، "ولكنّ القصة هي إنّو إيمتى بتجينا القدرة إنّو ننزل، لأنّو الأمر أصعب بوجود مشروع أن تتركه وتؤسّس من جديد (...) كنت بتمنّى إنّو نجاحي يكون بين أهلي وشاركن هالنجاح".

أنطوني جلبوط - Station Street Diner: المطبخ الأجنبي أكثر ربحاً من اللبناني

وليس بعيداً عن استحالة هجرة كلود وزاهي من لبنان، ورغبة سامي بالعودة في يوم ما إلى لبنان، فإنّ أنطوني جلبوط، من منطقة مرجعيون (47 عاماً) والمقيم في مقاطعة تورنتو - كندا وصاحب مطعم Station Street Diner، لا يعترف أصلاً بكونه مهاجراً ويقول "ما في شي إسمو هجرة، ما بعتبر حالي بعيد عن لبنان إلاّ جسدياً". ولكن، عام 2001، ركب قافلة المهاجرين متّجهاً نحو كندا بهدف العمل أوّلاً، فيقول "للأسف، ببلدنا ما في استقرار ومضطرين نسافر لتأمين حياتنا"؛ ومن أجل الحصول على الجنسية الكندية ثانياً، فما كان يُزعج أنطوني أنّه "كلّما أردت السفر إلى بلد ما يحتاج إلى فيزا [تأشيرة دخول إلى البلد]، لم يكن جواز سفري اللبناني يساعدني للحصول عليها بسهولة".

هكذا ترك أنطوني لبنان وأخذ بيده شهادة إدارة الأعمال و3 سنوات من دراسة الحقوق والعلوم السياسية وفنّه، ليصل إلى كندا ويتابع دراسته في مجال إدارة الفنادق "فلم أستطع متابعة المحاماة هناك لأنّها مكلفة". وعمل في أكثر من مطعم قبل أن يتّخذ قرار الانطلاق بمشروعه الخاص في مجال المطاعم عام 2012 بـ Station Street Diner، المتخصص بالمطبخ الأجنبي. وعن فكرة الاستثمار في هذا المشروع، يقول: "فكرة الاستثمار في مطعم كانت تراودني منذ فترة، وما ساعدني أيضاً أنّني فنان ومنذ الصغر أعزف الموسيقى وحتى في كندا أمارس الفن، وأحتكّ كثيراً مع أصحاب المطاعم".

وعن أكثر الصعوبات التي واجهته كمستثمر لبناني في بلد أجنبي كانت "أن أصبح مستثمراً، أي أن يكون لدي الرأسمال، وهنا الدولة تساعد والحمدلله لم أقترض أي مبلغ من البنك بل كان مجهودي الخاص". ولكن ما الذي دفعه لافتتاح مطعم ذو مطبخ أجنبي؟ ذلك أنّه وجد الأمر أسهل في هذا المجال، ويوضّح قائلاً : "سوق المطاعم الأجنبية أكبر باعتبار أنّ الجالية العربية عامة واللبنانية بشكل خاص محدودة، والربح أكثر"، بالإضافة إلى أنّ "التعامل مع الأجنبي أسهل من اللبناني". ولكن بالمقابل، يفكّر أنطوني بدخول  مجال المطعم اللبناني كرسالة لإيصال المطبخ  اللبناني.

وعن لبنان – الوطن، فهو يؤمن به ويحبّه ومتعلّق بأرضه "وعلاقتي به متجذّرة وشهادتي مجروحة، فلا أستطيع قضاء يوم واحد دون متابعة أخبار لبنان والتحدّث مع أهلي وأصحابي". وهو، وإن لا ينكر بالتأكيد ما قدّمته له كندا من استقرار وأمان، ويقدّر استقبالها له، إلا أنّ فكرة العودة نهائياً إلى لبنان موجودة دائماً. ولربّما عمله كفنّان، قد يساعده يوماً ما للعودة إلى الوطن و"إن بصراحة بالفن، لا أعتبر بأننّي قد حققت الكثير حتى الآن، ولكن انشالله خير". ويقول مضيفاً: "بإذن الله بس صير قادر عيش بلبنان أو افتح مشروع منيح وأثبت هناك (...) وأنا بانتظار الوقت المناسب".

ها هي قصة كل من كلود سابا، زاهي رزق الله، سامي خويري وأنطوني جلبوط تكشف حبكة استثمار اللبناني، مقيماً أو مغترباً، في مجال المطاعم وحياة الليل والسهر. حبكة تحكي تمسك اللبناني المقيم بالبقاء في لبنان مهما كانت اﻷوضاع خاصة اﻷمنية منها؛ وتعكس تجربة اللبناني المغترب الذي أخذته الغربة أبعد من الهدف المرجوّ، وسرقه الوقت إلى أبعد من حدود الزمن الذي كان من المقرّر تمضيته، ولكن بوصلة الحنين وطعم النجاح تبقى متّجهة نحو لبنان. وبين مقيم ومغترب، قد تختلف قراءة اللبناني لﻷحداث، ولكن يلتقي الجميع في حبهم للبنان، افتخارهم بلبنانيتهم وأمنيتهم باستقرار الوضع الداخلي كضمانة لاستقرارهم ونجاح مشاريعهم الذي هو نجاح لبنان...

*جبلنا ماغازين - كاتيا سعد (باريس)