Follow us

image

الإستقلال... حقيقة أم خيال؟ - بقلم: أنطون كرم

بقلم: أنطون كرم – جبلنا ماغازين

في الأول من أيلول عام 1920، وامام شعب غفير احتشد في ساحة قصر الباروك، يتقدمه البطريرك والمفتي والشيخ والزعيم والموظف... أعلن الجنرال غورو، المندوب السامي، دولة لبنانَ الكبير بحدوده الطبيعية، من النهر الكبير شمالاً، الى أبواب فلسطين جنوباً، الى قمم لبنان الشرقية... وتضمن إعلانه هذا خطاباً وجهه الى اللبنانيين. ومما جاء فيه :

هذا هو الوطن الذي هتفتم له وحيّيتموه ..."

"هذا هو الوطن العظيم الذي أزفه اليكم، فهو يستفيق حراً بعد أن رسف أجيالاً تحت نير الاستعمار... فأصبح في وسعه ان يسير في طريق التقدم والنجاح ... فإلى العمل إذن يا أهل لبنان ولا تتقاعسوا ولا تكونوا عالةً على وطنكم ..."

"إذا أردتم أن تكونوا شعباً حرا يطمح الى ان يكون شعبا كبيرا، يترتب عليكم واجبات لا بد من القيام بها... وأولى هذه الواجبات وأقدسها هو الاتحاد، فهو عنوان عظمتكم.. كما ان الاختلافات المذهبية كانت فيما مضى السبب الاكبر في ضعفكم ."

"إن الاوطان لا تنهض ولا تستقيم أمورها الا بالتضحيات الكبرى. وأهمها تقديمُ المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. وإني منذ الآن أنظر بملء الثقة إلى اليوم الذي فيه تصبحون أهلاً لحكم بلادكم بأنفسكم، وإن تحقيق هذه الأمنية يتوقف على حكمتكم وكفاءتكم وبلوغكم درجة من التربية السياسية تؤهلكم إلى السير وحدكم في ميدان الحياة الدولية."..

 

ومنذ ذلك التاريخ ولغاية يومنا هذا ولبنان يتخبط بهمومه. أحداث عصفت به، من ثورة 1958، الى معارك 1973، مرورا بحرب 1975 التي ما زلنا نحصد نتائجها حتى اليوم تخلفاً وانحطاطاً وخسائر على جميع الصعد الاقتصادية والبشرية والسياسية. ولعل أهم نتيجة نحصدها اليوم هي :

-         أن لبنان الكبير الذي تم اعلانه، لم يعد كبيرا...

-         والشعب لم يعد حرً، لأنهم لا يريدونه ان يكون حرا  ..."

-         إنه على المشرحة، يحيط به عدد كبير من ذوي الخبرة والحنكة في إثارة الفتن، وكلّ يحمل سكيناً، لا بل سيفاً قاطعاً، وعيناه على لبنان - الفريسة - وعلى الحصة التي ستعطى اليه...

أما لماذا؟ فبسبب العجز. لأننا لسنا مؤهلين أن نحكم بلادنا بأنفسنا. لأنه يوجد سوء في التربية السياسية. لأن المصلحة الخاصة كانت وما زالت تتقدم على المصلحة العامة. لأن الواجبات التي لا بد من القيام بها، قد أُهملت... ولأن الاختلافات المذهبية، طغت على كل وحدة حتى كانت السبب الأكبر في الضعف أمام الذين استغلوا الوضع لتمزيق لبنان، شعبا وأحزابا... فمات فيه الحق وماتت الحقيقة، وانتصر الباطل، وانتصر الطامعون والحاقدون الغرباء...

اما مَن هم فوق... فهم يريدون ان يبقوا فوق. ولا فرق عندهم، سواء خَرب لبنان أم عَمر، فأموالهم كفيلة بأن تشتري لهم أوطاناً لو أرادوا.

وعندما تسألهم: أي لبنان تريدون؟ تردك أجوبة كثيرة، متعددة، ومتضاربة... علمَنة سياسية، أو علمنة سياسية اجتماعية شاملة، أو لامركزية إدارية، أو تقسيم وكانتونات... ولكل حلّ مؤيدون ومعارضون... والجواب يبقى لغزاً!!!

وكأنهم رسموا في البلد خطين متوازيين، وصمموا على ألا يلتقوا. فتراهم يطرحون حلولاً ومشاريع تؤكد على الخلاف وكأنه واجب أبداً...

يظنون أن المقاعد ستدوم، وأنهم دائمون بدوامها، لا بل يعتقدون أنهم ولدوا لهذه المقاعد، وبأنها ولدت لهم .

وبفضل مشاريعهم واعتقاداتهم هذه، لبنان يغرق في الرمال يوماً فيوماً... ومواطنوه سكارى!

مظلوم هذا الوطن الذي يدعى لبنان!

كان بلد الجمال... وكانت أرضه أرض العطاء وولادة الحرف والعبقرية والحب... وكان وطن الحرية والمجد والكرامة...

فهل يبقى خالدا وصامدا؟ لعلهم يتعلمون... فيتخذون لهم مقاماً بين الأمم التي قد تختلف على كل شيء، إلا على مصلحة الوطن، فهي التي ينبغي أن يتفقوا عليها لكي ينتصر الوطن ويعود كبيرا كما أرادوه لنا، فينتصر فيه صبره وصموده على جهلهم وأنانيتهم وأحقادهم...

منذ ولادته قبل تسعين عاماً، دخل لبنان في الصراع... صراع البقاء، صراع السيادة ، صراع الإخوة، وهو ما زال يعاني حتى الساعة ... وهم لا يزالون يتكلمون عن لبنان الجديد والجمهورية الثانية والثالثة والرابعة...؟ وعن وحدة الشعب والانصهار الوطني وإلغاء الطائفية السياسية والدائرة الانتخاية الواحدة ...

ولكن لبنان، شئنا أم أبينا، بلد متعدد الطوائف وذو انتماءات دينية مختلفة... أنه مجموعة تناقضات، بل مجموعة فئات مختلفة الميول والأهداف والعقيدة والثقافة . حتى أن مصير معظم أجزائه اليوم لا يزال مجهولاً، لا بل مصيره بالكامل كذلك...!

فجنوبه حتى الساعة، ومع كل الانتشارات الدولية واللبنانية، يسأل: إلى أين المصير؟

في بقاعه وشماله تنتشر مخيمات وبقع عسكرية محرمة على الدولة... ومن يعلم كم من المسلحين يوجد في داخلها...؟

أما العاصمة وضاحيتها، فهي رغم كل التبدلات في التحالفات، ورغم إلغاء الخط الأخضرعن الخرائط والأرض، بداخلها جزر أمنية لبنانية وفلسطينية محرّمة على الدولة والقانون... وما أدرى الدولة؟ فهي أضعف من أن تشق طريقأ إلى هناك!

وبيت القصيد يبقى جبل لبنان، فهو لا حول له ولا قوة... يصرخ ولا من يجيب... يسأل فيردون عليه بلؤم وخبث بما يكفي لهدم جبل ...وما أدرى الدولة؟

يتغاضون... تحت ذرائع الاستراتيجية المشتركة والأخوة والتعاون والقومية العربية... والموانع المحلية والموانع الاقليمية... والموانع الدولية!

وماذا عن لبنان السيّد... المستقل؟

لو أن كل مواطن لبناني أينما كان، ولأية فئة انتمى...  يلقي نظرة تأمل في الماضي والحاضر والمستقبل، ودون أية خلفية عقائدية أو قومية أو مذهبية... فسيرى أن لبنان اليوم، وبكل أسف، لا مكان فيه للمساواة والعدالة، وأن مصالح سياسييه فوق كل اعتبار... وحكامه لا يعبأون بمأكل أو مشرب أو إستشفاء المواطن، ولا بأبسط حقوقه المدنية والاجتماعية... والعدالة والقضاء، رهينة في يد الأقوياء الذين يراعون مصلحة الأقوى...

لكل هذا، فليكن يوم الاستقلال يومَ يصبح لبنان بلداً ديمراطياً سيداً حراً مستقلاً، يولد فيه أبناؤه أحرارا ليبقوا أحراراً... متساوين في الحقوق والواجبات ويتمتعون بكامل حقوقهم وحرياتهم دون اي تمييز أو إجحاف أو تفرقة... لبنان الدولة القائمة على منطق العدالة الشاملة والوفاق الصحيح والمؤسسات الفاعلة والإدارات العامة النزيهة، على أن تكون فيه مصلحة البلد فوق كل اعتبار ...

فأين نحن من هذا النموذج؟ وأين نحن من هذا الاستقلال؟

استقلال لبنان يكون عندما يتحرر كل لبنان ...أرضاً وشعباً ومؤسسات. ولا استقلال حقيقياً حتى يتحرر كل لبنان... بما فيه الإنسان اللبناني!

عفواً، حتى ذلك الحين... لا استقلال!