Follow us

image

هل كلنا للوطن؟ - بقلم: فاديا سمعان

فاديا سمعان – جبلنا ماغازين

نحتفل بعد أيام بعيد الاستقلال... وبغض النظر عن معاني هذا العيد وما تبقى منه للاحتفال، سنردّد ونكرّر ونُعيد كلماتِ النشيد الوطني اللبناني... كفولكلور ربما، لا أكثر. فهذا النشيد الذي تربينا عليه وحفظناه عن ظهر قلب يبدأ بكلمتين اثنتين لا أدري مدى صلاحيتهما اليوم في ظلّ ما يشهده بلد الأرز: "كلنا للوطن"!
هذا ما يقوله النشيد، وهذا ما نردده هنا وهناك وفي كل مدرسة وجامعة واحتفال ومناسبة...

كلنا للوطن... هل هذا صحيح؟ أم أنه كذبة غير بيضاء نُلبِسُها عيداً يكاد يَفرَغ من معانيه ويتحول مجردَ ذكرى سعيدة؟

هل كلنا للوطن؟؟

ليتنا نقفُ دقيقةَ صمتٍ قبلَ كلّ تردادٍ للنشيد ونتصارحُ مع أنفسنا... تماماً كما يفعل المسيحيّ قبل تناول القربان المقدس، وكما يفعل المسلم بعد يوم صيامٍ طويل في رمضان... وليبدأ كلٌّ بطرحِ السؤالِ على نفسه والإجابةِ عليه بكل صراحة: هل أنا للوطن؟

حسناً... وإذا ارتأينا أن نكون للوطن كما يقول النشيد، فما هو الوطن؟ فالوطن – كما يعرّفه كثير من المفكرين – ليس بالضرورة هو المكان الذي ولد وترعرع فيه الإنسان، بل هو المكان (أو البيت) الذي يشعر فيه بالأمان والحماية والرعاية والدفء. فكمْ من مواطنٍ لبنانيّ يشعر بالفعل بالأمان والحماية والرعاية والدفء على أرض الوطن؟
هذا التساؤل الأخير من شأنه أن يفتح الباب أمام تساؤلات موازية: الوطن لمن؟ كم هي نسبة المواطنين الذين يشعرون بالانتماء إلى هذا الوطن؟

كلنا للوطن؟ والوطن لمن؟؟

إذا كان أربعون في المئة من سكان الوطن هم من اللاجئين... وإذا كان مليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر (ما يوازي تقريباً ثلث عدد اللبنانيين المقيمين في لبنان)... وإذا كان على الأقل نصف الملايين المتبقية من اللبنانيين يفكر بالهجرة... لمن يبقى الوطن؟ وكم من الزمن يستطيعُ مَن يعاني الحرمان والفقر والبطالة والظلم وانعدام الأمن أن يصمد على مواطنيّته؟

هل تتخيلون لو أن ذلك المليون من اللبنانيين الذي يعيشون تحت خط الفقر (بحسب أرقام حديثة للأمم المتحدة) يقرر التمسك بأول خشبة خلاص لأول عبّارة والرحيل إلى البعيد؟ بغضّ النظر عما إذا تمكن هذا المليون من الوصول إلى جنته الموعودة خلف البحار أم غرق في أحلام اليأس على الطريق... كم لبناني سيبقى في لبنان عندئذٍ؟ بل لمن سيبقى لبنان؟ وهل سيصبح جنة بلا ناس فلا يُداس؟ أم أنه يصبح فقط مقبرة يعود إليها المُغادرون في صناديق الموت ليُدفنوا في أرض ما عادوا يريدونها لأنفسهم؟

نصلّي... لئلا يصبح الوطن مقبرة!
هذا الوطن... هذا اللبنان الذي نريد أن نكونَ له وأن يكونَ هو لنا... ليس أرضاً وبحراً وسماءً فحسب، بل هو شعبٌ ينبض بالحياة ويستحقّ حياةً أفضل!
نصلّي... لترحلَ ملائكةُ الموتِ وألهةُ الدمارِ والتخريب عن لبنان، كي لا يتحولَ الوطن إلى حقيبة سفرٍ تطوف بحار الأرض بحثاً عن رغيفٍ وكرامةٍ وعدالةٍ مفقودة!
فلنصلٍّ ولنعملْ لأن نكون كلنا للوطن فعلاً... لا أغنية فولكلورية فارغة من المعاني!
وعشتم... للوطن!