مبدعون لبنانيون... في اليابان!
خاص جبلنا ماغازين – طوكيو
ليس هناك لبنانيون كثر في اليابان. عددهم جميعاً لا يتخطى الخمسين، ومعظمهم من طلاب الجامعات. وقد يصح القول إن اليابان هو البلد الأقل جاذبية للّبنانيين، إذ ليست هناك عائلات لبنانية مهاجرة في هذا البلد المتطور، الهادىء، الهانيء... والشديد التعلق بالتراث والقيم والتقاليد.
رغم ذلك، ذهب كارلوس غصن إلى هناك، ونجح. وكذلك ذهبت صبيتان من عائلة لبنانية واحدة في خلال السبعينات ونجحتا... ليس فقط على المستوى العمَلي، بل على المستوى الاجتماعي أيضاً، حيث تزوجتا من يابانيَين وأسست كل منهما عائلة يسودها الوئام، رغم الاختلاف الكبير بين العالَمين.
في طوكيو، تعيش السيدة مادلين عبد الجليل أومواكا التي وجدت نفسها بعد سنوات على استقرارها في اليابان تلعب دور جسر الوصل بين الحضارتين، اليابانية من جهة، واللبنانية والعربية من جهة ثانية.
في مقابلة مع "جبلنا ماغازين" عبر الهاتف، تقول السيدة أومواكا بلغة عربية سليمة: "الحياة في اليابان لا تجذب اللبنانيين. فعلى من يأتي إلى هنا أن يتعلم اللغة حتى يتمكن من العيش في هذا البلد، ثم عليه أن يتعلم أن يعيش مثل اليابانيين ويتّبع قواعدهم وأسلوبهم في الحياة".
وأعطت مثالاً على ذلك أن "الالتزام بالمواعيد أمر مهم جداً لدى الشعب الياباني، كما أن كل شيء منظم إلى درجة أن من يمشي في طرقات العاصمة طوكيو لا يسمع حتى زمور سيارة، فلا يصدق أن هذه المدينة يسكنها أكثر من 13 مليون نسمة. كما أن هذا البلد آمن إلى درجة أن الأطفال بدءاً من عمر 6 سنوات يذهبون إلى المدرسة ويستقلون القطار وحدهم يوميا".
مادلين عبد الجليل أومواكا انتقلت مع أهلها صبية خلال الحرب اللبنانية عام 1976 إلى اليابان حيث التحقت العائلة بشقيقتها الكبرى "ماري روز عبد الجليل إيشيغورو" التي كانت تعرفت قبل ذلك بسنوات بشاب ياباني كان يعمل في "بنك طوكيو" في بيروت وأحبته، ولكنها ترددت في الارتباط به والسفر معه إلى اليابان؛ فنصحها والدها بأن تذهب إلى اليابان وتختبر الحياة فيها لعامٍ واحد ثم تتخذ قرارها بعد انتهاء السنة. فأخذت بنصيحته وسافرت، وتمكنت من التكيف مع الأجواء... فتزوجت وبقيت هناك.
واليوم "ماري روز إيشيغورو" هي من أبرز الكتاب Best Seller Author في اليابان، وفي رصيدها عدد كبير من الجوائز و14 كتاباً تمت ترجمتها إلى لغات عدة بينها الصينية ولغة "بريل" لفاقدي البصر. أولُ كتبِها بنته على سلسلة الرسائل التي كتبها لها والدها طوال العام الأول الذي أمضته في اليابان.
أما مادلين، فقد تعرفت وهي طالبة في الهاي سكول في مدينة "كوبي" اليابانية بالشاب "ناوهيكو أومواكا"، وهو سليل عائلة شهيرة في عالم المسرح الياباني التقليدي Noh. وهذا المسرح الأوبرالي يعود تاريخه إلى 655 عاماً، وقد ورث زوج مادلين صفة "الماستر" في هذا المسرح عن والده، إذ أن Noh يجري توارثه من جيل إلى آخر، من الأب إلى الولد.
في العام 1982 تزوجت مادلين وناوهيكو ثم أنجبا "ثرية" و"ناوتومو" اللذين ولدا بملامح يابانية – شرق أوسطية مختلطة واكتسبا بالولادة مكانة مرموقة في عالم مسرح Noh، فتعلما منه الكثير منذ الثالثة من عمرهما، وعندما كبرا، انطلقا كلّ يبدع في مجاله، وإن كان الفن قاسمهما المشترك وكذلك مسرح Noh.
ثرية أومواكا (32 عاماً)، أصبحت اليوم اسماً معروفاً في عالم إنتاج الأفلام الوثائقية، وقد حصلت على عدد من الجوائز بينها جائزة من مصرف دوبتشيه للإبداع الفني عام 2012، وجائزة آسيا لمنتدى مسرح طوكيو عام 2013، وفي عام 2014 حصلت على جائزة تقديرية من وزارة الثقافة اللبنانية؛ وذلك عن فيلمها "بكرا منشوف" الذي بقيت في لبنان عاماً كاملاً من أجل تصويره.
الفيلم الذي سيصبح متاحاً بعد أيام على موقع "أمازون"، أنتجته لها والدتها مادلين عبد الجليل وهو يضيء على عشرة فنانين لبنانيين. وقد أرادت ثرية من خلاله "أن تدع العالم يرى لبنان بصورة أيجابية تعكس وجهه الثقافي على الرغم من الوضع غير المستقر فيه".
لثرية أومواكا أيضاً الأفلام الآتية: أفغانستان دون حجاب (2003)، أصوات ضائعة (بيروت – 2005)، شهود الشارع (كيتو – 2007)، أنا سعيدة (ريو دو جانيرو – 2010).
أما ناوتومو (29 سنة)، فهو ممثل ومنتج وصانع أفلام، نفذ عدداً منها لصالح كبريات المحطات والوسائل الإعلامية ومنها: Wall Street Journal – Discover Channel – CNN والجزيرة. وسجلت أفلامه مئات ألاف المشاهدات على اليوتيوب وعشرات ملايين المشاهدات على الفايسبوك.
من بين الأفلام التي أنجزها ناوتومو، هذا الفيلم عن أطفال اليابان الصغار الذين يذهبون إلى المدرسة ويستقلون القطار يومياً من دون ذويهم، ويتضمن مقارنة مع حال الأطفال في أستراليا:
"ولداي أخذا أفضل ما في الثقافتين اللبنانية واليابانية"، تقول مادلين عبد الجليل، "وهما يناضلان لخرق الهوة بين الحضارتين". وتضيف لـ"جبلنا ماغازين": "كنا نزور لبنان كل سنة في فصل الصيف عندما كانا صغاراً وهما يحبان التعرف على لبنان أكثر". ولا تخفي حماستها الشديدة عندما تتحدث بشغف عن الزيارة التي ستقوم بها العائلة مجتمعة إلى لبنان في أواخر هذا الشهر حيث سيشارك زوجها وولداها لأول مرة معاً في عمل مسرحي يقام في مهرجان البستان في بيت مري ليلة 29 شباط يمزج بين المسرح الياباني التقليدي والمسرح العصري. كما ستعرض ثرية فيلمها "بكرا منشوف" في ميتروبوليس Sofil في الأشرفية ليلة الثاني من آذار المقبل.
Fadia Samaan – Jabalna Magazine ™