Follow us


الهجرة غير الشرعية مصيدة بين الوطن وأرض الأحلام

كتبت فاطمة حوحو في جريدة المستقبل


لم يعد باستطاعة اللبنانيين الاحتمال، كل في وطنهم يراوح، وأوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية تتراجع الى الوراء، لا يريدون أن يحدثهم أحد في الوضع السياسي ولا يهمهم إن جرت انتخابات رئاسية أم لم تجرِ ولا تشكيل حكومة جديدة ولا عودة مقاتلي "حزب الله" من سوريا ولا اكتشاف النفط ولا مبادرات عين التينة أو غيرها. جل ما يسعون إليه النجاح في الهرب من هذه البلاد، والهجرة الى دول تحترم مواطنيها والمقيمين فيها، وإن تعذبوا قليلاً في البداية، إلا أنهم على المدى البعيد هم الرابحون وأولادهم من بعدهم، يربحون أنفسهم في الابتعاد عن العنف والنجاة من الموت وعن العيش في ظروف غير إنسانية على الإطلاق في ظل أخطار متنوعة، وحالة اللااستقرار السائدة.
يهربون ويجازفون بطرق شرعية وغير شرعية، منهم من يحالفهم الحظ في الحصول على عمل وفيزا وإقامة ومنهم من يحلم عبر الهجرة غير الشرعية بوطن جديد وعيشة هانئة، يبيع "ما فوقه وتحته" ويغامر بدفع الخوات لتجار على أمل أن يكون هناك بر أمان ليرتاحوا بعد تعب وينامون ملء جفونهم من دون قلق، لكن ليس كل ما يخطط له المرء يدركه فالرياح تجري بما لا تشتهي السفن، هذا ما حصل من خلال تجربة اللبنانيين من قرى عكار ومدينة طرابلس الذين جربوا الهجرة غير الشرعية، فكان أن غرفت عبّارة المهربين بعائلات جلهم من النساء والأطفال ولم تطأ أقدامهم أرض أستراليا التي كانوا يسعون للوصول إليها.
اللبنانيون الذين عرفوا الهجرة منذ بدايات القرن العشرين ونجحوا في مختلف البلدان في أن يكونوا مثالاً يُحتذى لا سيما في الولايات المتحدة والبرازيل وأستراليا ودول أميركا اللاتينية والدول الأفريقية، والذين تركوا البلاد أثناء الحرب الأهلية باحثين عن أمان مفقود في بلادهم، وكانت معظم رحلاتهم الى الخارج قانونية رغم صعوبة حصول اللبناني على تأشيرات في وقتها، إذ لم نكن نسمع عن حالات هجرة غير شرعية، إلا نادراً، وكانت شديدة خلال الثمانينات مع الاجتياح الإسرائيلي وتداعياته في جولات حرب بيروت والجبل، ثم عادت بعد اتفاق الطائف للتراجع، لا سيما مع النهضة العمرانية والاقتصادية الكبيرة التي قامت في التسعينات واستمرت الى ما قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005.
الخطر لا يأتي من باب الهجرة غير الشرعية فقط، فقد برز خطر آخر مع إعلان استخبارات الجيش اللبناني القبض على عصابة تقوم بتهريب الأشخاص بطرق غير شرعية الى دول عدة بينها أوروبا، بعد أيام قليلة على مأساة "لامبيدوزا" حيث قضى مئات المهاجرين غير الشرعيين قبالة الجزيرة الإسبانية غرقاً في البحر. وتعتبر الهجرة غير الشرعية إحدى القضايا الأساسية التي تهتم الدول الكبرى المتقدمة بإيجاد حل لها، إذ فرضت هذه المسألة نفسها على راسمي السياسات في بلدان العالم الأولى لتدير الرأس نحو العالم الثالث الذي تعاني شعوبه الفقر فتلجأ الى الهجرة السرية مخترقة القوانين المرعية الإجراء في البلدان المقصودة من دون تأشيرات دخول، وكم من أفلام سينمائية أنتجت وأضاءت على هذه المشكلة ومنها هجرة المكسيكيين وتهريبهم الى الولايات المتحدة وكذلك الكوبيين والأفارقة والمغاربة وربما تصبح حكاية العبّارة الأندونيسية فيلماً لبنانياً في وقت لاحق. وتكمن خطورة الهجرة غير الشرعية في كونها ترتبط بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للبلدان المستقبلة للهجرات أو المصدرة لها ولذلك تهتم بملفاتها الحساسة أجهزة الأمن والمخابرات المحلية والغربية، وأسوأ أنواع الهجرة هي الهجرة غير النظامية إذ إنه في الهجرة النظامية لا مشكلة نظراً لالتزام القوانين، والهجرة القسرية بسبب الكوارث والحروب تعتبر طبيعية وتنظم وفقاً للقوانين الدولية. أما الهجرة السرية غير الشرعية وغير النظامية، فهي هجرة لا تستوفي الشروط القانونية للإقامة وأخطر ما فيها انتهاك الأنظمة من أشخاص لا يطلعون على حجم "الجريمة" التي يقومون بها.
ويظهر من الإحصائيات بأن أوروبا تستقبل العدد الأكبر من المهاجرين سنوياً، تليها أميركا الشمالية ثم آسيا، وهناك صعوبة في رصد ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين كونها تعتمد على التخفي والسرية.
لقد ساهمت وسائل الإعلام الحديثة لا سيما "الإنترنت" في الترويج لفكرة الهجرة غير الشرعية، لا سيما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، واستقطبت الشباب لا سيما في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط الذين يتواصلون مع نظرائهم الأوروبيين والمهاجرين بحثاً عن فرص لترك بلادهم محاولين تخطي الحواجز الأمنية والقانونية القائمة بين بلدان جنوب الأبيض المتوسط وشماله.
ويواجه المهاجرون غير الشرعيين، نتيجة تشدد الإجراءات الغربية وإصرارهم على المغامرة والعبور رغم الإجراءات الأمنية والمخاطر، الموت في قاع البحر كما حصل مع اللبنانيين في أندونيسيا أو المهاجرين المغاربة والسوريين والفلسطينيين تجاه الشواطئ الإيطالية، إذ غالباً ما يسقط هؤلاء في شرك شبكات الإتجار بالبشر الذين يستغلون أوضاع هؤلاء الشباب الذين يتحولون الى عبيد ويمارسون أعمالاً غير قانونية كالسخرة والدعارة أو الجريمة المنظمة وتبتعد أرض الأحلام كلما زادت هذه الشبكات من شروطها فلا يجدون الفردوس المنشود بل يسقطون في "مصيدة محكمة" لا يستطيعون الفكاك منها فيفقدون الأمل، بعضهم ينجح في العودة وآخرون يتشتتون مع أسرهم بين الوطن والمهجر والمعبر.

*عن جريدة المستقبل - فاطمة حوحو