Follow us


لماذا ترشيح فرنجية؟ (إليكم أبرز المقالات حول هذا الموضوع)

لأجل متابعينا في الاغتراب الذين لا تصلهم الصحف اللبنانية، أو الذين فاتهم الاطلاع على تفاصيل ما يدور في أروقة السياسة اللبنانية حالياً، ولمن فوجىء منهم بطرح اسم النائب سليمان فرنجية كمرشح للرئاسة فطالبوا موقعنا بالإضاءة على هذا الموضوع، ننشر في ما يلي عدداً من المقالات الني وردت في صحف ومواقع لبنانية بارزة، قد يجد القارىء بين سطورها رداً (أو ردود عدة) على السؤال المنطقي الذي يطرحه حالياً: "لماذا فرنجية؟"، وذلك في ضوء الحديث عن قرب التوصل إلى انتخاب رئيس تيار المردة رئيساً للجمهورية، بدعم من زعيميْ المستقبل والاشتراكي وبرضى من عواصم القرار المعنية بلبنان، في إطار تسوية سياسية من شأنها أن تنهي الفراغ وتخرج الحالة السياسية اللبنانية من دائرة الشلل.

*لماذا سليمان فرنجية؟ - فؤاد أبو زيد

الديار – 4 كانون الأول 2015

ما هي الاسباب والمعطيات التي دفعت بكركي الى ادخال النائب سليمان فرنجية الى نادي القيادات السياسية المارونية الاقوى شعبيا وتأثيرا، ليصبح القوي الرابع مع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل؟؟
مصدر روحي ماروني مطلع، كشف ان هناك اكثر من سبب فرض هذه الحالة، اولها ان فرنجية سليل بيت مارروني له تاريخه في الحياة السياسية والوطنية والدينية شمالا، بدءا من المغفور لهم قبلان فرنجية والد حميد والرئيس سليمان الجد، والدور التاريخي لموارنة الشمال، وخصوصا في اهدن وبشري، قلب الموارنة وعصبهم، والسبب الثاني الرغبة بقيام توازن بين بشري سمير جعجع واهدن سليمان فرنجية بعد الخلاف العميق بينهما، والثالث هو حرص بكركي على توازن آخر، يجب ان يقوم بين 8 و14 اذار بتسمية قويين لكل تجمع، والرابع والاخير ان سليمان فرنجية يتمتع بحيثية شعبية في اهدن وامتدادات في الكورة والبترون، وصداقات في مدينة طرابلس، حتى ولو كانت هذه الشعبية ليست بمستوى وحجم شعبية كل من عون وجعجع والجميل، التي تمتد تقريبا على مساحة الوطن كله، كما ان لا خلاف على مسيحيته، على الرغم من عتب بكركي والمسيحيين عموما على عدم اخذه مواقف منددة او معارضة لمواقف العداء التي اخذها النظام الامني السوري - اللبناني ضد المسيحيين منذ اتفاق الطائف وحتى العام 2005. وخصوصا نفي عون، واعتقال جعجع وابعاد الجميل.
اما السبب الحقيقي الذي رفع اسهم النائب فرنجية الرئاسية من الصفر الذي كانت عليه، الى ما يقارب العلامة الكاملة، وحملت سعد الحريري على المبادرة الى الاجتماع بخصمه السياسي وتزكية ترشيحه الى منصب الرئاسة الاولى، من ضمن سلة متكاملة، فما يزال يحاط بالسرية الكاملة حرصا على «نجاح المبادرة» على ما يقول المقربون من الحريري. ولكن على ما يرشح من تصريحات هؤلاء المقربين و«المستشارين» ان هناك اكثر من سبب وراء هذه الخطوة يمكن ترتيبها وفق الاولويات الاتية:
اولا: ان الذين حملوا لواء فرنجية، مثل النائب وليد جنبلاط، اللواء جميل السيد، الرئيس نبيه بري، وسوقوه لدى سعد الحريري يعرفون تماما ان فرنجيه هو ابن هذا النظام، وكان شريكهم في الحكم والسلطة ومغانمها، طول فترة الانتداب السوري على لبنان، بخلاف عون وجعجع والجميل، وبالتالي فان بينهم وبينه خبز وملح ومصلحة في ابعاد الثلاثة عن الحكم، وعن سعيهم الى المشاركة الحقيقية في جميع الحقوق التي نص عليها الدستور، وخصوصا بعد عودة العماد عون من المنفى، وخروج الدكتور جعجع من المعتقل، وكان سبقهم الى العودة بقوة الارادة الرئيس الجميل، واعادوا ثلاثتهم تنظيم احزابهم واصبحوا قوة شعبية ضاربة لا يمكن لاحد تجاهلها، ولكن يمكن اضعافها بوضع العوائق امام مطالبهم، وخصوصا بفرض قانون انتخابات لا يعكس قوتهم الشعبية على الارض، ولذلك فان فرنجية الرئيس لا يمكنه ازعاج الشريك المسلم في المناطق التي «يسيطر» عليها وعلى نوابها المسيحيين، ولكن بوجود احد هؤلاء الثلاثة رئيسا للجمهورية، فالوضع عندها يصبح حالة مختلفة، وهذا الامر غير مقبول من الثلاثي المسلم، كما ان هناك سببا اخر دفع سعد الحريري الى الاستدارة 180 درجة عن تحالفه مع جعجع، هو نوع من «القلوب الملآنة» على طرح جعجع القانون الارثوذكسي، وتوقيع اعلان النيات مع التيار الوطني الحر، ومعارضته تشكيل الحكومة السلامية على هذا الشكل الاستسلامي من تيار المستقبل، خلافا لثوابت 14 آذار، وعدم استعداده لعقد صفقات، او يمكن ترويضه واحتواؤه.
اذا كانت المعادلة المفروضة ان لا رئيس مسيحيا في لبنان الا اذا كان من قوى 8 آذار، فان هناك معادلة اخرى في وجهها، تتفق عليها على ما يبدو الدول العربية وفرنسا، ان لا رئيس في لبنان، يفرض خارج ارادة المسيحيين، وان لا تسوية اسلامية - اسلامية على حساب مصالح المسيحيين وحقوقهم.

* فكرة دولية استولدت ترشيح فرنجية في لبنان ومناف طلاس في سوريا - ناصر شرارة

الجمهورية - 3 كانون الأول 2015

خلال الأسبوع الماضي تَركّز سؤال المحافل السياسية عن السيناريو المحتمل لإيصال النائب سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، ومع مطالع هذا الأسبوع تبدّلَ السؤال ليصبح: هل انتهى هذا السيناريو؟ وما بين السؤالين تبقى القصّة الحقيقية لارتفاع حظوظ الترشيح لصالح فرنجية محلّ نقاش وسباق محموم لتحصيل معلومات عنها.

في باريس كما في بيروت، هناك رواية جديدة متقاطعة تشرح الجوانب الأساسية من خلفيات قصة ترشيح فرنجية، وهي الآتية:

أوّلاً، تؤكّد هذه الرواية أنه لم ينشأ في أيّ لحظة لوبي دولي وإقليمي لانتخاب فرنجية، بل ما بَرز هو فكرة دولية وإقليمية لمواصفات رئيس في لبنان، وصادفَت أنها على قياس فرنجية. وهذه الفكرة وُلدت نتيجة أنّ الفاتيكان نجح أخيراً عبر مراكمة تدخّلاته المستمرة منذ نحو عام ونصف العام لدى الدول الكبرى، في تسويق مناخ يَحضّ على وجوب إطلاق محاولة دولية جدّية لإنتاج رئيس للجمهورية.

تمّ التجاوب دوليّاً وإقليمياً مع هذه الفكرة، وذلك انطلاقاً من حاجتين اثنتين تخصّان تهيئة لبنان ليواكب مسارات البحث عن حلّ للأزمة السورية في فيينا وخارجها: الحاجة الأولى تتحدث عن ضرورة مدّ دعم الاستقرار في لبنان بصدمة إيجابية وبمصل إضافي، ليستطيع الصمود لفترة أطول.

والثانية ضرورة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان تسمح له مواصفاته أن يكون حاضراً للجلوس الى مائدة التفاوض الخاصة بسوريا حينما يَحين بدء موعد مسار العملية السياسية في شأن أزمتها، والذي بات قريباً.

ثانياً - طرح اسم فرنجية ليكون الرئيس الذي يُلبّي الحاجتين الآنفتين، جاء من مصدرين: الاوّل يعود الفضل فيه للنائب وليد جنبلاط الذي تمّت مفاتحته خلال زيارته الاخيرة الى السعودية بتصحيح تموضُعِه السياسي بحيث يعود الى دور قيادة فريق «14 آذار».

لكنّ جنبلاط تَحفّظ على الفكرة معتبراً أّنّ الأجدر في هذه المرحلة هو هزّ شجرة هذا الاصطفاف الانقسامي، والإتيان برئيس يُخرج الفراغ الرئاسي من عنق زجاجة أزمة الجنرال ميشال عون. وسرّبَ جنبلاط اسمَ فرنجية «كلمة السر» لهذا الحلّ. أمّا المصدر الثاني فكان الرئيس سعد الحريري الذي فاتحَ فرنجية في لقاء باريس بموافقة تيار «المستقبل» على ترشيحه، وحضّه على الذهاب الى محور «8 آذار» لتسويق الفكرة.

وتَجدر الإشارة إلى أنّ الحريري وصلت إليه فكرة ترشيح فرنجية من خلال تردّد اسم الاخير في دوائر سياسية خليجية منذ بدايات الصيف الماضي، بوصفِه ورقةً قد يتمّ اللجوء اليها في نهاية المطاف لإنهاء أزمة الرئاسة.

ثمّة فكرة أساسية تجعل اسمَ فرنجية مقبولاً في الخليج، وجوهرُها لا يتصل بالوضع الداخلي اللبناني بقدر ما يتصل بتهيئة الوضع في لبنان ليخدمَ احتياجات مرحلة ما بعد التسوية في سوريا. في الخليج يُعتقد أنّ الحل النهائي في سوريا سيفضي الى إزاحة بشّار الأسد عن الرئاسة، وأنّ المطلوب دولياً لإزاحته تقديم تطمينات مسبَقة الى العلويين في سوريا.

ويَعتبرون أنّ انتخاب فرنجية سيشكّل جزءاً من سلّة تطمينات تُقدّم الى العلويين تمتدّ من سوريا إلى لبنان. يعرف الخليج أنّ نسبة غير قليلة من النخَب المالية والاقتصادية العلوية في الساحل السوري قصَدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية سيّد بنشعي للحماية والاطمئنان إلى عدم التعرّض لمصالحها في حال نَقلتها الى لبنان.

ثالثاً - تجدر الإشارة الى أنّ طرح اسم فرنجية كرئيس له مواصفات ذات صلة بمسار البحث عن حلّ في سوريا، تزامنَ في الكواليس المعنية مع ارتفاع حمى البحث الدولي والاقليمي عن رئيس للحكومة السورية الانتقالية، تتوافر فيه ليس فقط مواصفات المقبولية من المعارضة، بل مواصفات تشي بأنّه لا يستفزّ العلويين أو يخيفهم بل يُطمئنهم، وبالتالي يؤمّن وصوله فتحَ الباب أمام أحد شروط رحيل الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية.

وأبرزُ الأسماء لرئاسة الحكومة السورية الانتقالية التي انطبَقت عليه مواصفات معارض معتدل يُطمئن العلويين، هو مناف طلاس نجل وزير الدفاع التاريخي في النظام السوري مصطفى طلاس.

وبطبيعة الحال لم تكن مجرّد صدفة أن ترتفع أسهم ترشيح كلّ من طلاس لرئاسة الحكومة السورية الانتقالية وفرنجية لرئاسة جمهورية لبنان في وقتٍ واحد وضمن مناخ مستجدّ بخصوص مسار البحث عن حلّ للأزمة السورية ينتهي بإزاحة الأسد ويمرّ بإنتاج سلّة تطمينات للعلويين تمتدّ من سوريا الى لبنان.

وليست صدفة أيضاً أن تنتكس حظوظ هذين المرشحين، وأن يحصل برود مفاجئ من إقليميين نحوهما في وقت واحد، وذلك بعد مضيّ فترة قصيرة على مباركتهم المعنوية لهما. وسبب ذلك يعود لحصول انتكاسات في مسار التسوية حول مصير الاسد والذي عبّرت عنه سلسلة المفاجآت السورية الاخيرة، ومن بينها استعصاء الخلاف التركي - الروسي على الاحتواء حتى الآن.

بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، طرحَت أنقرة ثوابتَ عدّة كشروط لبَدء تعاونها مع جهود الحل السياسي في سوريا: أوّلها أن يوفّر هذا الحل منذ الآن وفي أول بنوده، إجابة واضحة وحاسمة على سؤال متى سيَرحل الأسد؟ والثاني مطالبة انقرة بأن تعرف مسبَقاً أسماء القوى التي ستسَمّيها اللائحة الدولية بوصفها فصائل وأحزاباً معتدلة يسمح لها بالمشاركة في العملية السياسية السورية.

وفي اللحظة الحالية المتّسمة بتعثّر أصابَ توجّه الدوليين والإقليميين لإنتاج سلّة ضمانات للعلويين تفضي الى إخراج الأسد، أخذ مسار الاهتمام بملء الشغور الرئاسي في لبنان يعود وإنْ ببطء لحالة تراجعِه الأولى.

وكبديل عنه اتّجه الاهتمام للبحث عن اسم لرئيس للحكومة الانتقالية السورية تتجسّد فيه مواصفات المعارضة المعتدلة ويَحظى بمصداقية داخل بيئاتها القاطنة داخل سوريا ولا يستفزّ طيفَ الاقليميين المنخرطين في الصراع السوري.

ويقود هذا التوجه الى إهمال الأسماء المنتمية لرموز المعارضة المقيمة في الخارج، وذلك لمصلحة البحث عن مرشحين في الداخل، وتحديداً في مناطق النظام.

فهؤلاء - بحسب القائلين بهذه النظرية التي تنافس الآن نظرية فرنجية في لبنان وطلاس أو من يشبهه في سوريا، يتميّزون بأنّهم واجَهوا نوعين من الظلم: الأوّل تعرّضوا له من «داعش» والتكفيريين الذين غزوا مناطقهم وفضّلوا الرحيلَ عنها لأنهم لا يطبّقون نموذج الحياة في ظلّ سيطرتهم، والثانية من النظام حيث يقيمون الآن، ويعانون من اضطرارهم لكتمِ آرائهم السياسية.

ويُشاع أنّ البحث داخل ديموغرافيات السوريين السُنّة النازحين الى مناطق سيطرة النظام، توصّل لانتقاء بعض الأسماء، ولكن طرحها كنماذج لحلّ عقدة انتقاء رئيس الحكومة الانتقالية لا يزال ينتظر استكمال انتهاء الاردن من إعداد لائحة قوى المعارضة المعتدلة. وينتظر أيضاً وفي الأساس إنهاءَ ذيول الاشتباك التركي - الروسي وتأثيراته على استكمال مسار فيينا.

إشكالية الداخل

مجمل ما تَقدّم يُظهر أنّ ترشيح فرنجية أملَته فكرة وُلدت في بيئة إقليمية ودولية تعمل لتوفير شروط إخراج الاسد من السلطة قبل بدء مسار الحل السياسي في سوريا، وهي بيئة حليفة لـ»14 آذار» ومعادية لـ»8 آذار»، الامر الذي أصاب الداخل اللبناني على ضفّتيه بإشكالية عدم فهم أسباب الترشيح واستغرابه.

وفي الايام الاخيرة يسود سؤال أساسي عمّا إذا كانت الفكرة التي أملت تسمية فرنجية، تواجِه حاليّاً في مسقط رأس ولادتها، ظروفاً مستجدّة نتيجة تعثّر المسار الذي انصَبّ على الاتفاق مسبَقاً على ما سيكون عليه مصير الأسد داخل أجندة الحل.

وبدلاً عنه تقدّمت لائحة اهتمامات، بينها انتظار انتهاء اللائحة الدولية التي ستسمّي قوى المعارضة المشاركة في الحل. وفيما الاميركيون يتّجهون لتمثيل المعارضات المعتدلة الداخلية، تنتظر تركيا حجم حصّتها على اللائحة، بينما الروس يستعجلون الوقت لإسقاط جبل التركمان، ما يجعل أنقرة أضعف نفوذاً في سوريا.

قصارى القول إنّ ترشيح سليمان قد يكون بدأ يَشهد تراجعَ اللحظة الدولية والاقليمية التي أملت التوجّه لتمهيد لبنان ليكون جاهزاً لمواكبة مستلزمات الحلّ في سوريا من دون الأسد.

يُلخّص مصدر مطّلع القصّة بالقول: فجأةً تضافرت معطيات أنشأت لحظة متقاطعة دولياً وإقليمياً أوصَت بإنشاء مسار للحلّ في لبنان «يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية» يُسهم في طمأنة العلويين، في مقابل بدء مسار حلّ للأزمة في سوريا «ينتهي بانتخاب رئيس للجمهورية» غير الأسد.

ولا شكّ في أنّ هذه المعاني الآنفة المؤسسة لظهور لوبي اقليمي ودولي يساند الفكرة التي صادفَ أنّها تناسب مواصفات فرنجية، هي التي دعت «حزب الله» ضمنيّاً لاعتبار ترشيحه مبادرة مفخّخة. فالشكوك في دمشق وطهران وحارة حريك ليست موجّهة إلى نيّات فرنجية، بل الى المعنى الإقليمي والدولي الملتبس سوريّاً في ترشيحه.

تبقى الإشارة إلى أنّ فرنجية لم يُجر أيّ مقايضات داخلية مقابل دعم تيار «المستقبل» لترشيحه، سواءٌ على قانون الستّين أو عدم المسّ بالطائف الذي تدعمه بنشعي أساساً؛ فقصّة ترشيحه لا تزال حتى الآن تتفاعل في دائرة شروطها الدولية والإقليمية السابقة لشروطها اللبنانية الداخلية المؤجّلة؛ وهنا يَكمن الفرق بين ترشيحَي فرنجية وعون: فالأوّل عُرِضت عليه الرئاسة لأسباب يحتاجها الخارج في سوريا؛ والثاني عرض ترشّحه على الخارج لأسباب سوّقَ لها بأنّ الداخل اللبناني يحتاجها.

*مسلسل المفاجآت الرئاسية متواصل – الياس الديري

النهار – 4 كانون الأول 2015

تضجّ بيروت منذ يومين تقريباً بأنباء ومفاجآت وتبشيرات رئاسيَّة تحضّ على التفاؤل، وتحضير النفوس والبلد والأمكنة ومجلس النواب وقصر بعبدا لاستقبال رئيس جديد قد "تكرسّه" جلسة السادس عشر من كانون الأول.
فبعد الكلام الإيراني الذي حمله الى العاصمة اللبنانيّة المستشار الأعلى علي أكبر ولايتي، والذي بشّر اللبنانيين باقتراب موعدهم مع الرئيس الجديد، تلقّى البلد المشلول وأهله المصدومون دفعة جديدة من التباشير والتشجيعات مصدرها السفير السعودي علي عواض عسيري.
بعيداً من التوريات واللجوء الى الرموز والايحاءات، صارح عسيري اللبنانيّين بأن الدور السعودي هو تشجيع الأفرقاء ليجتمعوا ويجدوا قاسماً مشتركاً لحل الموضوع الرئاسي. إنما مع تأكيد حرص السعودية "على ملء هذا الفراغ في أسرع وقت".
بالطبع كَثُر القيل والقال عن موقف المملكة منذ ظهور اسم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجيّة الى جانب اسم الرئيس سعد الحريري. وثمة من ذهب بعيداً، والى حد الاعتقاد أن السعودية هي مَنْ سمّى النائب فرنجيّة.
هنا كان لا بدّ للسفير عسيري من التوضيح، ووضع النقاط على الحروف. فالمملكة "لم تسمّ ولن تسمّي. وبالتالي المبادرة أتت لبنانية – لبنانية، فهل باركت السعودية هذه الخطوة؟
عسيري يسأل، وعسيري يجيب: نعم، باركتها برغبتها في أن يكون هناك دور للمسيحيين في هذا الاطار، وفي هذا الاخراج. ما بقي هو الحوار المسيحي – المسيحي. نحن نبارك هذه المبادرة، وحرصاء على ملء الفراغ الرئاسي لأن البلد والمؤسسات والاقتصاد في حاجة الى هذا التسرّع ليكون هناك رئيس للبنان".
بدأت الصورة الكاملة لما جرى في لقاءات باريس تنجلي تباعاً وبايقاع جذّاب للغاية، ولتحمل مع كل "فقرة جديدة" مفاجأة تندقّ لها نوبة لا أجراس فقط.
ذلك أن لدى السعودية ما لدى إيران أيضاً، وما لدى فرنسا وأميركا والروسيا، من مخاوف على الوطن الصغير المفرّغ من كل مؤسساته الكبرى والأساسية، وخصوصاً بالنسبة الى منصب رئاسة الجمهورية. وعلى نطاق تطوّرات المنطقة و"الدول المجاورة في الإقليم وفي سوريا بالتحديد".
فوجود رئيس للجمهورية في هذه المرحلة، وعند هذا المفترق، يوفّر حصانة وضمانة للبنان.
إلا أن ذلك ليس كل شيء. فثمة ما يجب الاهتمام به في الوقت ذاته. لا بد من توافق لبناني – لبناني، مثلاً. ولا بدّ من التفاهم على الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب وسلال المطالب...
كلّه يصبح ممكناً عندما يجلس الرئيس الجديد على "عرش" بعبدا.
ويبدو، باختصار، أن كل الايجابيات قد تنجب وابلاً من المفاجآت السارة... وربما قبل رأس السنة. وثمة من يجزم.

*فرنجية رئيساً وعون حاكماً؟ - نصري الصايغ

السفير – 3 كانون الأول 2015

أحزان جليلة تقاسمها اللبنانيون. لم يتركوا عائلات الرهائن وحيدة. تشهد دموع الحزن ودموع الفرح، أن اللبنانيين لم يفرِّطوا بإنسانيتهم. ما كانوا، في هذه المحنة، أحزاباً وتيارات ومذاهب. تحكَّمت بهم مشاعرهم النبيلة، وتناسوا أنهم أبناء اصطفافات مكبَّلة بالمواقف المسبقة. نبيلاً كان الدمع اللبناني، عسى ألا يكون ذلك صدفة، أو مناسبة بلا أثر بعدها. عسى أن تؤسس لتراث.
أما بعد...
في الطريق إلى الرئاسة كلام مختلف. الإعلان عن مشروع رئيس جديد للجمهورية، كسر رتابة الأيام وحذف ما كان يُقال، ونقل الكلام من الفراغ المستدام، والحكومة المعطوبة والمجلس المكبَّل والمقاطعة المتبادلة، إلى سياسة من نوع مختلف، يرتطم فيها حلف «8 آذار» بنفسه، ويرتطم «14 آذار» بمكوّناته. خرجت من هذين الحصنين المنيعين، بادرة رئاسة، بترشيح سليمان فرنجية، حليف عون أولاً، وحليف «حزب الله» دائماً، وحليف الأسد أبداً، من قبل سعد الحريري، خصم عون دائماً، ومعادٍ للأسد كلما سنحت السياسة، ومضادّ لـ «حزب الله» بالمراس اليومي... خرق جديد، وغير مسبوق، فانقلبت الأدوار وتبدَّلت لغة التخاطب بين الأضداد، وبرزت نتوءات حادة بين الحلفاء. فلا «14 آذار» على حالها، ورئيسها رأس حربة الترشيح، بدعم أميركي مستتر ودعامة سعودية معلنة، ولا «8 آذار» على حالها، ومرشحها العماد ميشال عون، بات مضطراً لأن يصوغ وصفاً جديداً لموقعه، من خلال انفراط من حوله، «مردة» و «أملاً» ورسو «البوانتاج» الانتخابي، إذا تأمن النصاب، على فوز مرجح لسليمان فرنجية، الحليف المضاد.
انقلاب حقيقي. تخلخلت التحالفات وتصدّعت الاصطفافات. لن تتغيّر قناعات سليمان فرنجية ومواقفه. معروف عنه الثبات. ولن تتبدّل قناعات سعد الحريري ومواقفه. سيبقى كل على قناعاته، وهذا لا يمنع الالتقاء بينهما في ما بعد، على تكوين سلطة جديدة، تنحّي الخلافات جانباً وتركّز على التفاهمات والتسويات، لتسيير عجلة الدولة، بالتي هي أحسن أو بالتي هي أسوأ، سيّان... هذا هو تاريخ لبنان. الخلافات على السياسة الخارجية، سيحكمها منطق «النأي بالنفس»، غير الإلزامي، لمكوّنات السلطة... السلطة تنأى، والمكوّنات تشتبك. حيلة أبدعها اللبنانيون، وهي قابلة للحياة، لتجنيب لبنان أي اشتباك عنفي فوق أرضه.
الجنرال، قائد المعارك الخاسرة، قد تكون هذه آخر خساراته المدوّية. هو المرشح الأقوى، وله حليف (حزب الله) هو الأقوى، ومع ذلك، هو في قارة وبعبدا في قارة أخرى. الصيغة التي ابتدعها السيد حسن نصرالله مفيدة، مع بعض التعديل: عون ممر إلزامي للرئاسة. لم يعد كذلك، فليس هو صانع الرئيس، إن لم يكن هو الرئيس. تسمية فرنجية جاءت من خصمه الذي وعده وما وفى. «الفيتو» السعودي أقوى من وعد الحريري. تسمية فرنجية جاءت من خصوم عون: السعودية، الحريري، وقبول من جنبلاط وبري...
على أن أمام عون فرصة أخرى، قد تكون أهم من تولّيه الرئاسة، وهي في أن يكون الممر الإلزامي للحكم: أي حكم، بأية حكومة، وفي أي ظرف. وهو يمتلك هذه الفرصة. إذا أجاد التفاوض على السلطة وبرنامجها.
عون مرشح قوي بشعبيته. صح. هو رئيس قوي. صح. ولكن ليس لشعبيته، بل بما يجعله أكثر من رئيس بلا صلاحيات، غير صلاحية التوقيع الإلزامي على المراسيم. إنه قوي من خلال كتلة نيابية وازنة، وقبضة وزارية صلبة... الرئيس ميشال سليمان، كان من الوزن الخفيف جداً. استأجروا له وزراء، ومنهم «وزير ملك»، لم يكن له... كان حاكماً لا يحكم... عون، ليس قوياً بشخصه، بل بحضوره النيابي الوازن وثقله الوزاري القادر على تعطيل الحكم وإقفال مجلس الوزراء... ميشال سليمان ليس من هذا الوزن أبداً. وفرنجية، لن يكون بهذا الثقل. كتلته معدودة وحجمه التمثيلي خفيف.
إذا اقتنع ميشال عون بأنه قادر على أن يكون ممراً إلزامياً للحكم، من خارج رئاسة الجمهورية، فإنه يستطيع أن يُلزم الرئيس الجديد، ببرنامج إصلاحي، ليس من خلال العناوين الوزارية، بل من خلال الالتزام بآليات تنفيذية، تنفض دولة الفساد، عبر تجديد تامّ، للمؤسسات الرقابية، وعبر تقليم أظافر السياسيين في القضاء، وتطهيره من الفاسدين والمفسدين، وعبر إيلاء الوزارات لإدارات جديدة، غير خاضعة للمحاصصة المذهبية والطائفية، بل مخضَّعة أولاً، للكفاءة والنزاهة والاستقلالية... يستطيع الجنرال أن يقول لفرنجية، «أنا معك إن كنتَ معي». ومعنى ذلك، أن يكون خطابُ القسم على هذه العناوين، وأن يكون البيان الوزاري على الآليات اللازمة، وفق روزنامة زمنية، تنقل السلطة في لبنان، من موضع الشك والاتهام والإفلاس الأخلاقي، إلى موقع المسؤولية والشفافية واحترام القوانين.
بهذا الطرح، ينتقل النقاش من الشخص إلى النصّ، بحيث يُسأل فرنجية: لماذا أنت رئيس؟ أي دولة ستكون أنت رأسَها؟ هذه الدولة الفاسدة أم مشروع الدولة العادلة؟ بهذا المعنى، يتلبنن الانتخاب، وتكون للجنرال حصة الفائز بالحكم، ولو كان خارج بعبدا.
على مَن تقرأ مزاميرك يا داود؟ ألا تعرف الجنرال؟ ألم تتعلّم أن «هيدا لبنان»؟ ألم تيأس بعد؟

*هيدا لبنان – راشد فايد

(على موقعه الإلكتروني الخاص)

كل ما قيل ويقال، مع وضد، تبنّي الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية إنفعالي معاد ومكرر، يخرج الثعابين الغافية في سكينة النعم واللا: هو المشهد نفسه يوم "القانون الارثوذكسي"، ويوم "اعلان النيات" بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، ويوم لقاء الحريري – عون في باريس، وفي كل حالات التقارب، أو توهم وجوده.

الانفعال الأعمى يستعيد نفسه، وتحل تهمة التخوين السياسي، في جهة، وتهمة الغدر في الاخرى، وكأن السياسة هي جمود وليست تفاعلاً مع الوقائع، والمستجدات، وكأن لتحقيق المبادئ طريق يتيم هو العناد الى حد المواجهة.

مشهد لبنان من الخارج أنه معلق على حبل الأزمة السورية، وأن اللبنانيين فشلوا في اخذ قرارهم بأنفسهم بدليل عجزهم، منذ نحو سنتين، عن انتخاب رئيس للجمهورية، وان قاعدة "الموارنة الأربعة الأقوياء" هي قرار ماروني بامتياز، سلّم به المسيحيون والمسلمون على السواء. وإذا كان مضمراً أن بين الأربعة اثنين صف أول والآخرَين صف ثان، فإن الصحيح ايضاً أن "مرتبة" الامتياز منحت للأربعة على السواء، وببركة البطريرك الراعي.

طبيعي أن ترشيح أي من الاربعة سيواجه باعتراضات الفريق المقابل، وبمطالبات، منها ان يتخذ مسافة من حلفائه، وهذا ما رفضه عون. بل رد بالتمسك بـ "سلاح المقاومة" وبعدم اعتراض تورطها في سوريا. في الموازاة، ابدى جعجع مرونة لافتة بإعلانه شخصياً الاستعداد للانسحاب امام من يلتزم مبادئ 14 آذار، بينما لم يتردَّد الرابع، أي الرئيس امين الجميّل، في ابداء اعتداله بتخليه عن رئاسة حزب الكتائب لنجله سامي.

اليوم، يُرشح فرنجيه واقعياً وليس رسمياً، ما يعني ان الأمر لما يزل قيد النقاش مع الحريري. والتأخير في الاعلان، إن كان الأمر جدياً، يعني ان التفاصيل تمحَّص، ومن لم يتبن ترشيح عون لتمسكه بسلاح الحزب، في الداخل والخارج، لن يتنازل عن هذا الشرط وغيره أمام فرنجيه، كما عن التوافق مع "الحلفاء المسيحيين". فعلام استعجال الخلاف داخل 14 آذار؟ ثم ما النفع في استمرار الشغور الرئاسي، وفي اضمحلال الدولة، وتهالك الاقتصاد، إلا اذا كان العزم ان نعيش "مسّادا" لبنانية؟ ثم من قال إن حل الأزمة السورية لا يبدأ بحل العقدة اللبنانية، وماذا يمنع أن يكون لبنان مختبر النيات الإقليمية - الدولية؟ ومن قال إن هزيمة بشار تعني، أوتوماتيكياً، "امّحاء" حلفائه في التركيبة اللبنانية؟ أليست الدعوة الدائمة للحزب إياه أن يعود إلى كنف الدولة، وهي من سيحضنه حين يجبر على الإنكفاء؟

لن تقف الحياة عند مفترق 8 و14 آذار. لا بد من مخرج. إن لم يكن بفرنجيه فبغيره. فالشرط الأساس تسوية تحت سقف الدستور والدولة واتفاق الطائف. فلا نصر مطلقاً لأحد، ولا هزيمة كاسحة. "هيدا لبنان".

*حقائق في الطبخة الدولية الاقليمية لتسوية باريس جورج أبو صعب

موقع القوات اللبنانية – 3 كانون الأول 2015

غداة التوقيع على الاتفاق النووي بين الغرب وايران برزت الى الوجود توجهات تسووية لمنطقة الشرق الأوسط، ومن بينها الوضع في لبنان. لكن تلك التوجهات وضعت على نار حامية اثر التدخل الروسي في سوريا والذي اطاح بمعادلات عدة، اهمها معادلة استئثار ايران بالورقة السورية ما بدأ يرفع من منسوب اللجؤ لتسويات تراعي من جهة مصالح ايران المتبقية في المنطقة ومن جهة ثانية مصالح الغرب المركز بالدرجة الاولى على مكافحة الارهاب، وقد زادت اعتداءات باريس الإرهابية الأخيرة  من قناعة تيار سياسي وديبلوماسي واسع النطاق، على ضرورة القضاء على الارهاب من البوباة السورية .

إنطلاقا من هذا الجو العام توجهت الاهتمامات الغربية في الآونة الأخيرة الى لبنان من منظور عدم الاكتفاء بالاستقرار الامني، ولو في حده الأدنى، انطلاقاً من قناعة لدى الغربيين بأن هذا الإستقرار يبقى هشاً وهو معرض للسقوط مع تصاعد التوتر في سوريا والمرشحة ان تشهد تصعيداً كبيراً في الفترة المقبلة يطيل من أمد الحرب ويمكن بالتالي أن ينعكس بشكل مباشر على الإستقرار الداخلي .

فبموازاة دعم الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد لمواجهة الإرهاب والإرهابيين، تكونت لدى بعض الدوائر الغربية، الفرنسية والاوروبية  قناعة بوجود فرصة مناسبة للعمل على تحييد لبنان ليس فقط امنياً  بل وايضاً سياسياً لتدارك اي انتكاسة لأي تفجير، بما أن الارضية هشة في الداخل، وعليه ارتسمت معالم تسوية للشأن اللبناني قوامها الاساسية انتخاب رئيس وتشكيل حكومة ائتلافية واقرار قانون انتخاب لاعادة عجلة الحياة الطبيعية في حدها الادنى من الاستقرار السياسي والمؤسساتي .

وقد بنيت معالم التسوية اعلاه على الاعتبارات الاتية :

إن الأزمة السورية مرشحة لتستمر وتستعر اكثر لفترة طويلة  وبالتالي لم يعد مقبولاً لدى الغرب بقاء لبنان معلقاً سياسياً على حل الصراع في المنطقة لأن الوقت سيأتي على ما تبقى من لبنان دولة ومؤسسات، خاصة وأن الاوروربيين ومعهم الاميركيين باتوا على قناعة  بضرورة الحفاظ  حتى في الدول العربية التي تشهد ازمات وصراعات، على حد ادنى من مؤسسات الدولة، وبالتالي لا يمكن أن يستمر اللبنانيون في انتظار ما ستؤول اليه التطورات السورية والاقليمية ليقرروا مصير بلدهم الواقف على كف عفريت التطرف والإرهاب والتطاحن المذهبي ما ينذر آجلاً ام عاجلاً، بسقوط كامل لمؤسسات الدولة وحصول فوضى شاملة تنهك القيمين على طبخ التسوية الكبرى، والذين لا يناسبهم وجود اي ملف ساخن في لبنان يشغلهم عن الطبخة الاقليمية .

وبالتالي لا بد من فصل لبنان عن ازمة سوريا والمنطقة ومن هنا تفعيل اعادة احياء المؤسسات بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، خاصة وأن موقف كل من ايران والسعودية المعلن يصب في خانة ضرورة انتخاب رئيس للبلاد، وإن من منطلقات مختلفة لكل منهما .

وللتمكن من فصل لبنان عن أزمة سوريا والصراع الدائر في المنطقة، لا بد من التوجه الى الرعاة الاقليميين للوضع اللبناني: ايران والسعودية بالدرجة الأولى، فإيران خسرت الورقة اليمنية، وها هي تخسر ورقة الاستئثار بالورقة السورية وبالتالي لم يتبقَ لها سوى الورقة اللبنانية،  أما السعودية التي ربحت الورقة اليمنية والتي لا زالت تصارع من أجل إسقاط نظام الاسد في سوريا فقد أصبحت في وضعية افضل استراتيجياً تمكنها من التنازل قليلاً لايران على قاعدة مقايضة الورقة اليمينة التي تنازلت عنها ايران للسعودية بالورقة اللبنانية، من خلال جائزة ترضية تمنح ايران مكسباً سياسياً يبرر لرأيها العام هذا التورط الكبير لها ولـ”حزب الله”  في الصراع السوري، بعدما وصلت ايران الى حافة الهاوية الاقتصادية والمالية بفعل الإنفاق الضخم على نظام الاسد للبقاء عليه طوال السنوات الاربعة الماضية، وقد بلغ العجز الايراني المالي حداً باتت طهران ترد على طلب الأسد بتمويله باشتراط ضمانات عينية وبنكية دولية من الدولة السورية، لأنها لم تعد قادرة على الانفاق بلا سقف وبلا حدود على دعمها للاسد، ومن هنا يمكن فهم مبادرة او شبه المبادرة التي اطلقها امين عام “حزب الله” اخيراً والتي رأت فيها بعض الدوائر الديبلوماسية مؤشراً هاماً على الإرهاق الايراني الذي وصل الى حد دقيق وخطير  .

وبالتالي فإن المقايضة تفترض منح ايران في لبنان نوعاً من جائزة ترضية سياسية، وبالتالي ايصال رئيس للجمهورية محسوب على خط 8 اذار المدعوم ايرانياً، ومقرب اكثر من الأسد مما هو عليه مثلاً النائب ميشال عون، الذي لم تبلغ علاقته بالاسد اهمية علاقة فرنجية بالاخير في مقابل اسناد رئاسة الحكومة للحريري ورئاسة مجلس النواب للرئيس نبيه بري وتشكيل حكومة ائتلاف وطني تمهد لقانون انتخابات واجراء انتخابات جديدة في ظل قانون متوافق عليه من اللبنانيين على قاعدة النسبية (وليس الاكثرية كما قانون الستين).

وعلى هذا الأساس وضعت صيغة التسوية على نار حامية واندفعت اميركا والى جانبها بعض الأوروبيين في تسويق الصيغة، مراهنة في ذلك  على الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري والوزير وليد جنبلاط، على أساس أن جنبلاط وبري قادرين على اقناع “حزب الله” وبالتالي عون، فيما الحريري أخذ على عاتقه اقناع حلفائه ولاسيما المسيحيين بالسير في التسوية مرحلياً لحين البت في الملف الاقليمي وحلول ساعة التسوية الكبرى .

بالمقابل ينظر الغربيون الى الوضع السوري وفقاً للتصور الآتي:

إن دخول روسيا الى سوريا غير في المعادلة الاقليمية والدولية  لجهة غش الروس الرأي العام الغربي بتصوير تدخله بانه لضرب “داعش” والارهاب، في وقت اتضح مع الوقت تركيز القصف والغارات الجوية اكثر فاكثر على الثوار السوريين والجيش الحر وخصوصاً التركمان في الحدود الشمالية لسوريا المتاخمة لتركيا – وهؤلاء اهم الحلفاء للاتراك – وقد بلغت موسكو في انحيازها للأسد حد تسويق وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف  للائحة اعدها نظام الاسد بالمعارضين “المقبولين” من النظام للحوار وكلهم من معارضة الداخل فيما الغرب يدعم معارضة الخارج ويسعى في فيينا وجنيف الى ان تكون هي موحدة على الطاولة .

من هنا تبرز اليوم تركيا وكانها خط الدفاع الاساسي عن حلف الاطلسي والغرب في مواجهة التمدد الروسي في القصف والغارات، وما اسقاط الطائرة الروسية اخيراً الا الانذار الاطلسي – اكثر مما هو التركي للروس – وهذا ما يفسر في نظر المصادر الديبلوماسية عدم تطور الخلاف بين الروس والاتراك الى مواجهة مباشرة، لا موسكو ولا انقرة على استعداد لها ولا هي في اجندتهما، فالمواجهة لن تتعدى في مطلق الأحوال عقوبات اقتصادية وجفاء ديبلوماسي لن يصل الى حد القطيعة، لان الاميركيين والغرب بحاجة ماسة استراتيجياً وجيو – سياسياً لتركيا، لاسيما  في المرحلة الحالية والمقبلة لمساعدتهم على وقف الهجرة الكثيفة عبر تركيا الى اوروبا. الاتصالات تدور الآن بين الغرب وتركيا على منحها حوافز تشجعها على وقف الهجرة والتخفيف بالتالي على الاوروبيين تدفق اللاجئين الى القارة العجوز، ما سيدفع بالروس آجلاً ام عاجلاً الى الجلوس مع الاتراك والغرب على طلولة تنسيق وتسوية واحدة، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن ان تشهده العلاقات الثنائية التركية – الروسية توتر سياسي واقتصادي وتبادل تهم دعم تركيا لـ”داعش” ودعم الروس لسفاح السنة  بشار الاسد  .

وبالتالي فإن المرحلة القادمة في سوريا مرشحة الى مزيد من التعقيدات السياسية والعسكرية، فالروس الذين وعدوا باتمام مهمتهم بالقضاء على الإرهاب في خلال اربعة اشهر، زاد من ظاهرة ” تدعيش ” المقاومة السورية المستهدفة اكثر من “داعش” نفسها، وبالتالي فان المأزق الروسي بدأ يرتسم في الافق، خاصة وان امكانات روسيا المادية وعلى الرغم من تصريحات الكرملين والمسؤلين الروس المعاكسة، لا تجعل موسكو قادرة على اطالة تدخلها وانفاقها الحربي في سوريا، كما ان الرأي العام الروسي لا يرى في قسم كبير منه بعين الرضى تورط بلدهم في الصراع السوري والاقليمي، وقد كانت حادثة مقتل الطيار الروسي الاسير مؤخراً نتيجة اسقاط طائرته من قبل الاتراك كفيلة باشعال موجات انتقاد واسعة وسط الرأي العام الروسي لسياسات بوتين وقرراه بالتدخل العسكري، الامر الذي يزيدنا تأكيداً وجزماً بأن لا تدخلاً برياً للروس ولا حسماً برياً للحرب ضد الارهاب من اي دولة غربية، واذا كان لا بد من تدخل بري فلتتولاه جيوش الدول العربية والإسلامية الحليفة للغرب .

تجدر الإشارة الى ثلاث ثوابت اقليمية حالياً:

الثابتة الاولى: لا تدخلاً برياً عسكرياً في سوريا، خصوصاً من الروس والغرب بل تكثيف للقصف الجوي في اقصى حد، ما يطيل امد الصراع والمواجهة في سوريا، لأن أي تدخل بري غربي سيشعل التطرف الإسلامي اكثر فاكثر ويرتد بعملياته الإرهابية والإنتحارية الى عمق الدول الغربية، فضلاً عن تنامي الشعور المعاديعلى غرار الدرس الاميركي في العراق والروسي في افغانستان والفرنسي في مالي .

الثابتة الثانية: لا عودة لسوريا كما كانت وقد انهت بعض التوجهات لدى دوائر ديبلوماسية غربية  رسم خريطة سوريا المستقبلية على اساس  دويلة العلويين التي تناسب الجميع: الروس لاحتفاظهم فيها بقواعدهم العسكرية، الايرانيون ومعهم “حزب الله” للتمكن من ايجاد منفذ رابط بين الدولة العلوية والمناطق الشيعية اللبنانية شمالاً وبقاعاً، الاميركيون والغرب اجمالاً لانتهاء الصراع من دون سقوط الدولة بحدها الادنى من المؤسسات وانحسار الخطر الارهابي عنها ووقف الهجرة الى اوروبا، واسرائيل لكون تقسيم المنطقة العربية خير ما كانت تحلم به منذ نشأتها لاسيما وأن العراق لم يعد ينقصه الا الاعلان الرسمي عن تقسيمه ضمن صيغة فدرالية بين جنوب شيعي ووسط سني وشمال كردي، وبالتالي لا التدخل الروسي سيعيد بشار الى حكم سوريا ولا سوريا ستبقى كما هي ليحكمها حاكم واحد، فمن سيعيد بناء سوريا لن يكون بالتأكيد الروسي او الايراني بل الاميركي والغربي والعربي الخليجيين، ومن هنا مراهنة الغرب على فشل التدخل الروسي على المديين المتوسط والبعيد.

الثابتة الثالثة: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة في سوريا والتي ستقرر مصير المنطقة باكملها، وبالتالي من الضروري بمكان خلق اوضاع آمنة ومستقرة في المحيط السوري وتحديداً في لبنان حيث الورقة الايرانية – الحزب الآهية جاسمة، وهذا ما يفسر توجه ايران الى التسوية اللبنانية بعدما ايقنت طهران ان التدخل الروسي بات يضر بمصالحها في سوريا على الرغم من التنسيق الامني والعسكري والمخابراتي بين الايرانيين والروس، وقد سحب من يدها ورقة الأسد بعد كل التضحيات التي قدمتها والميليشيات المحسوبة عليها وهذا ما بدأت شخصيات رسمية ايرانية تصرح به في السر والعلن منذ ايام معدودة.

تكونت قناعة دولية اقليمية مفادها ان اللبنانيين يريدون رئيساً للجمهورية وهم محرومون منه منذ اكثر من نيف وسنة، فلتحقق لهم الامنية، خصوصاً وان  الدولة الى انهيار والاقتصاد الى تلاشي والاوضاع المعيشية والحياتية الى تدهور مخيف ينذر بكوارث داخلية لا طاقة ولا مجال للغرب المنهمك في معاركه الكبرى في المنطقة للتفرغ لها. ففي ظل كل تلك الصعوبات والمشاكل والازمات اللبنانية الداخلية وتحديداً الفراغ الدستوري وشلل المؤسسات الرسمية والحكومة والمجلس النيابي، ظواهر تلامس ما يعتبره الغربيون الخطوط الحمر التي تجعلهم يعيدون الاهتمام بلبنان انما من باب المصالحة الموقتة لهم في ضمان اكبر قدر من الاستقرار السياسي والداخلي اللبناني من خلال إعادة احياء المؤسسات ومعالجة القضايا الطارئة والعاجلة والحيوية للبنانيين ريثما تنتهي ازمة المنطقة او تجد التسوية طريقها الى الحل، فسيان لديهم إن كان الرئيس 8 اذار او 14، وان كان فرنجية او عون او جعجع، المهم ان يصار الى توافق لبناني على مرحلة اعادة احياء المؤسسات الدستورية ودوران عجلة الحياة السياسية والوطنية ومعالجة الملفات الشائكة  لتحييد لبنان امنياً وسياسياً وداخلياً من تداعيات ما هو قادم في المنطقة من اعاصير مدمرة.