Follow us


من دولة لبنان الكبير إلى دول كبرى في الوطن الصغير؟ - بقلم الرئيس ميشال سليمان

عشية الذكرى المئوية لـ”إعلان دولة لبنان الكبير”، ينتابني الحزن والأسى وأنا أشاهد هذا الوطن يشيخ، في حين فكرنا السياسي لم يتطور، لا بل تقهقر الى ذهنية رجعية وكأننا في مئوية ما قبل الأول من ايلول 1920.

 أعلم جيداً أنّ الطائفية السياسية كانت ولا تزال مثار جدلٍ وتجاذب بين اللبنانيين، واستحوذت على اهتمامٍ كبير، وكمّ أكبر من مشاريع قوانين ونظم واقتراحات دساتير وجلسات حوار، هدفت جميعها الى الحفاظ على المشاركة والعيش الواحد، ضمن مفهوم الوطن الرسالة، بالتلازم مع دولة المواطنة.

ففي العام 1919، طالب البطريرك الياس بطرس الحويك باستقلال دولة لبنان الكبير، على ان تنضمّ اليه ولاية بيروت وأقضيتها وتوابعها، والبقاع وأقضيته لتصبح مساحة لبنان ١٠٤٥٢ كلم٢. وقد اصرّ المسيحيون وقتذاك على رفض انسلاخ المسلمين وانضمامهم الى المملكة العربية، إيماناً منهم أن لبنان هو “الوطن الرسالة”.

نُسج الميثاق الوطني عام 1943 على أساس مشاركة الطوائف وليس الطائفيين، وصيغت المشاركة على قاعدة الثروات الثقافية والحضارية التي تكتنزها الطوائف، وليس على قاعدة قدراتها العددية أو المادية. وهذه الميثاقية اعتمدت إيماناً بلبنان “الوطن الرسالة”.

ما بالنا اليوم، نجتهد لصياغة اقتراحات قوانين انتخابية وأنظمة ودساتير وعقد مؤتمرات تأسيسية، تحوّل المشاركة الوطنية من تمثيل الامّة الى خيارات متقوقعة وتمثيلٍ مذهبي ضيق. وهل نستطيع عبر هذا التمثيل، حماية الأقليات في هذا الشرق؟

واذا كان وجود الأقليات يترسّخ بتحالفها، فلماذا نطالب من على المنابر الدولية والعربية، بإشراك هذه المكوّنات في إدارة الشأن السياسي قياساً بدورها في أساس نشأة الدول المتجذرة فيها وفي كتابة تاريخها، وليس قياساً بعدد مواطنيها؟

وبالتالي، أين مصلحة الأقليات في لبنان (وكل اللبنانيين أقليات) في التمثيل المذهبي الذي سيأتي بالمتطرفين والمتزمّتين من كل المذاهب، ليُلحِق الأكثر تطرفاً، الضرر الاكبر بـ”رسالة لبنان” ومبرر وجوده، أياً كان عدد هؤلاء والذي من المُرجّح أن يتكاثر.

أسارع لأسأل في هذه الحالة تحديداً، علماً أنها ليست الحلّ المنشود، “أوليس من الأفضل ان نعكس القاعدة، فيختار المسلمون الممثلين المسيحيين، ويختار المسيحيون الممثلين المسلمين، وهكذا نضمن وصول المعتدلين؟”.

زارنا البابا القديس يوحنا بولس الثاني عام 1997 ليقول لنا إن “لبنان اكبر من وطن، لبنان رسالة”. فإلى من كان يتوجه بكلامه؟ طبعاً الى جميع اللبنانيين، وإلى المسيحيين منهم وسائر الأقليات على وجه التحديد، ليلاقي غبطة البطريرك الحويك في مسعاه بإعلان دولة لبنان الكبير ولو بعد 77 عاماً.

هل يعتقد عاقل، ان التبعية للدول الكبرى، أو لتلك الأكبر من دولتنا بقليل، وتنفيذ سياساتها والانتظام في محاورها والحرص على مصالحها قبل مصالحنا، يُبقي وحدة واستقلال دولة لبنان الكبير؟

وهل يتوهّم أي لبناني، أن في وسع مذهبه أو حتى طائفته، أن تصبح دولة كبرى داخل الوطن الصغير؟

في أيلول ٢٠١٤، المسلمون اللبنانيون لا يتخيلون “لبنان الكبير” كبيراً من دون المسيحيين المشاركين في إدارة الشأن السياسي على قاعدة المناصفة.. إذاً.. لا بدّ من تطبيق “إعلان بعبدا”، سبيلاً للإنقاذ وحفاظاً على “لبنان الكبير”.

(عن جريدة النهار)