Follow us


لا خبز لـ «داعش» في لبنان

كتبت فاطمة حوحو في "المستقبل":

رغم الصورة القاتمة التي برزت خلال الايام القليلة الماضية، مع التطورات العراقية، وهيمنة «داعش» على مناطق واسعة واعلانها حكم الخلافة، وانعكاس ذلك على لبنان بتحريك خلايا نائمة في الفنادق سواء تحت عنوان «داعش» ام «القاعدة»، كانت موضوعة تحت الرصد، اذ استطاعت العين الامنية بأجهزتها المختلفة ضبط الامور وتفشيل مخططات تفجير واغتيالات بهدف ايقاع الفتنة في البلاد، لتؤكد انه من غير الممكن انفلات الامور. الا ان الخطاب السياسي لا بد ان يكون عاملاً مساعداً كما الإعلام إضافة الى الاستمرار بالخطط الامنية الاستباقية التي تضمن إفشال الخطط الجهنمية المعدة وتحفظ سلامة لبنان وامنه واستقراره، وتكشف حقيقة انفلات البيانات من قبل البعض سواء بيانات ما يسمى بأحرار السنة في بعلبك، والتي تهدد العيش المشترك وتضرب حرية ممارسة الطقوس الدينية في بلد التنوع الطائفي والمذهبي ام اعلان امير جبهة «النصرة« نقل المعركة مع «حزب الله« الى لبنان.

تسبب الاحتلال الاميركي في العراق في ايقاظ صحوة اسلامية لمقاومته تمثلت بالحالة التي شكلها ابو مصعب الزرقاوي والتي سرعان ما انكفأت، الا ان تطور الأحداث في سوريا انعش هذه الحالة المتطرفة من جديد والتي درب مقاتلوها على يد النظام السوري نفسه الذي اخرج من سجونه ارهابيين ليزرعهم هنا وهناك، اما الجانب الغامض في أمر «داعش» فناتج عن دور التدخلات الخارجية المخابراتية، وقنوات الدعم والجهات التي تقف وراءها، اذ تم استخدام المأساة السورية باستغلال تنظيم «داعش» تجاور الساحتين العراقية والسورية ليستعيد زخم مشروع قديم ومنبوذ.

الخوف من «الداعشية» في لبنان بدأ بحدث في طرابلس، باستهداف مقهى بقنبلة يدوية بسبب استقباله لمفطرين، اول من امس، حيث تساءل المواطنون عما اذا كان الغزو «الداعشي« وصل الساحة اللبنانية. يقول منسق تيار «المستقبل« في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش ان «من يقود هذه الأعمال يحمل عقلاً متخلفاً سواء كان من داعش أم غيرها، ومن الممكن ان يكون من قام بهذا العمل بعض المتأثرين بمفاهيم متخلفة، ولكن لا بد من التأكيد ان الدين والحرية مسألتان مرتبطتان ببعضهما البعض، لا يوجد ايمان من دون حرية، فالوحيد القادر على ان يكون مؤمناً حقيقياً هو الانسان الحر ولا اكراه في الدين، هناك محاولات لإعادة عقارب الساعة الى الوراء في طرابلس من خلال الضغط بأحداث مثل التي وقعت، لكن الواضح ان اهل المدينة وأبناء التبانة استهجنوا ما حصل واعتبروه حدثاً شاذاً ولا يعبر عنهم».

وعن إشاعات وجود بيئة حاضنة لدولة «داعش» في طرابلس، يلفت علوش الى ان «معظم الطرابلسيين يعتبرون ما يحصل في سوريا والعراق هو نتيجة الظلم الذي حصل على مدى سنوات طويلة ضد المكون السني، وبالأخص في العراق، حيث جرت ردود فعل على الظلم، ولكن بالتأكيد ابناء المدينة لا يحبون أبداً رؤية أي مظهر من مظاهر «الداعشية» في قلب المدينة، والوضع في العراق وسوريا لا يشبه الوضع في لبنان. كما انهم يرفضون منطق الاكراه في الدين الذي يمارسه تنظيم «داعش» وكذلك الاجرام باسم الدين. إن الذين يتحركون في فلك «القاعدة» وفكرها معروفون بالأسماء من قبل القوى الأمنية وهم قلة قليلة ولو كان باستطاعتهم إعلان دعمهم للدولة الاسلامية لقاموا بذلك خلال فترة الفوضى التي حصلت في السنوات الثلاث الأخيرة. لكنهم فشلوا في تجميع عدد كاف من أجل القيام بهذه الخطوة ولا اعتقد انهم قادرون على ذلك، والأهم انهم مرصودون ومعروفون، وطالما التوافق السياسي موجود فإن القوى الأمنية قادرة على السيطرة عليهم ومنعهم من القيام بأي إشكالات أمنية». 

ورأى علوش في بيان احرار السنة، «محاولة لزيادة عامل الخوف والارهاب واثارة البلبلة وربما لايجاد ردود فعل بالكلام او التصرفات لزيادة التفرقة، وهذا ما تعمل عليه عناصر الارهاب وربما عناصر مخابراتية تدخل في الموضوع على طريقة بشار الأسد، اي ارسال الارهاب من اجل استغلاله لاحقاً«.

وهل البيئة اللبنانية محصّنة ضد الارهاب؟ يجيب علوش: «نحن لسنا محصنين ضد الإرهاب لأننا اذا تطلعنا جيداً حولنا نجد ان الارهاب موجود في لبنان ولديه بيئة حاضنة وهو حزب الله، فقد رأينا ما قام به حزب الله على مدى السنوات الماضية من اغتيالات وتفجيرات واعتداءات وقمصان سود وتعطيل المؤسسات بالاكراه وهذا هو الارهاب بكل معنى الكلمة، وهذا الارهاب لديه بيئة حاضنة يتحرك فيها، اما الارهاب الآخر فهو قادر على الاعتداء على لبنان ولكن لا بيئة حاضنة له أو قادرة على احتوائه بما يسمح له بالتحرك بسهولة الا بظروف محدودة جداً، والدليل العمليات الأخيرة التي حصلت، فالمجموعات الارهابية لم تجد مكاناً لها بين الناس ونامت في الفنادق، لو كان هناك بيئة حاضنة لذهبوا للنوم في المنازل، وكذلك لم تجد امكنة لتخزن فيها الاسلحة لذلك وضعوها في المغاور. فعملياً هناك بيئة حاضنة للارهاب الذي يمارسه حزب الله، وهو يستدرج ردود فعل واعتداءات من ارهابيين من الجهة الثانية ولكن لا بيئة حاضنة لها».

وعما اذا كان متفائلاً بمستقبل لبنان رغم الصورة القاتمة حالياً، يجد علوش انه «طالما ان «حزب الله» موجود في سوريا وصولاً الى العراق فهذا يفتح الأبواب أكثر فأكثر نحو مزيد من التشرذم، والخروج ولو بشكل جزئي من جهنم هو خروج «حزب الله» من سوريا والذهاب الى تفاهمات اساسها اعلان بعبدا، والواضح ان الأطراف في المنطقة تخوض معارك حياة أو موت، الأنظمة مثل أنظمة بشار الأسد تخوض معركة حياة أو موت، نظام ولاية الفقيه ايضاً يعيش الحالة نفسها على الرغم من كل الكلام الفارغ والشعارات الفارغة، وايضاً التطرف الارهابي المتمثل بـ «داعش» يعيش المعركة نفسها، لذلك قد لا نشهد تفاهمات في لبنان توصلنا الى مرحلة استقرار، قبل ان تكون الأطراف التي تخوض معارك حياة أو موت قد وصلت أيضاً الى نتيجة، فإما هزيمة لكل هذا التطرف او الاستمرار بحرب ضروس سنوات عدة قبل حسم النتائج».

ولا يقلل الكاتب سامي الكعكي من الخطر الكبير لـ»داعش» في المنطقة، الا انه لا يرى الصورة نفسها في لبنان، اذ ان «الموازييك والفسيفساء والتركيبة مختلفة عن كل التركيبات المجتمعية الموجودة في المنطقة، فحتى لو استلم تنظيم «داعش« السلطة في سوريا والعراق وأقام دولته المفترضة، فهو لن يستطيع أن يغير في التركيبة اللبنانية، وقد ينجح في وضع البلد رهينة بين يديه وهذا أسوأ الافتراضات، ففي لبنان لا بيئة حاضنة ولا تأييد له باستثناء حالات ضيقة، من قبل اشخاص لديهم استعداد مسبق للتطرف الإسلاموي السيئ من قبل الذين يقرأون الشرع الإسلامي بالمقلوب ولديهم جشع مخيف وجوع لتطبيق الشرع أو إقامة الحد بشكل مرضي«.

ويلفت الى ان مفهوم قيام حكم الخلافة يستوجب محاربة الآخر، واندلاع الصراع بين سلفية السنة وسلفية الشيعة، فالصحوتان تزامنتا في انطلاقتهما في الثمانينات وبلغ التطرف أوجه في كارثة العراق في 2006 2007، اذ انكشف الصراع بينهما وجاءت الأحداث السورية لتوقده وتؤججه ليندلع الصراع ويتغذى نتيجة التطورات السياسية«.

وعما اذا كان لبنان محصناً ضد الحالات المتطرفة «داعشياً«، يعتبر الكعكي ان «التركيبة اللبنانية عصية على احتضان حالات التطرف، كما ان للإدارة الأمنية دوراً اساسياً، والتنسيق الاستخباراتي مهم بين مختلف الاجهزة ومع الخارج بما يضمن تداول المعلومات وتنسيق الرصد والقيام بعمليات امنية استباقية كما جرت عليه الامور. ويبقى ما هو أهم من ذلك كله، الوفاق السياسي إذ إنه أهم أداة لاستيعاب الصدمات«.

ويرى أن الإعلام ضخم من الحالة الداعشية التي لا يمكن لها أن تنجح في مس جوهر التركيبة اللبنانية أو أن تترعرع داخلها.

وعن إعلان «أحرار السنة في بعلبك«مبايعة «داعش»، يقول إن «هذا تنظيم غير موجود على الأرض سوى في البيانات التي يعلنها وهو وليد الحرب السورية وتدخل حزب الله في القتال هناك".