Follow us


لبنان 2014 إلى أين؟

كتب دافيد عيسى:

 في ختام نهاية دموية ومأساوية لسنة 2013 وخلافاً لكل التوقعات التي أوحت ان الأعياد ستمر على خير وسلام ضربت يد الإجرام لبنان مجدداً وأصابت أحد رموز الاعتدال الوزير السابق محمد شطح وأدت إلى مقتله مع مرافقه طارق بدر والطالب محمد الشعار وأربعة مواطنين أبرياء وجرح زهاء 70 آخرين.
انتهت سنة 2013 حزينة ودموية برحيل رجل العقل والاعتدال محمد شطح صاحب الحلول ورجل الحوار ومعه عدداً من المواطنين الأبرياء، لتبدأ سنة جديدة محفوفة بالمخاطر والاغتيالات والحوادث والأزمات ولا نبالغ إذا قلنا إن لبنان يجتاز أصعب وأدق المراحل في تاريخه الحديث، وعلى الأقل في مرحلة ما بعد الطائف الذي من المفترض أنه أنهى الحرب الأهلية وأرسى دعائم الدولة والحكم والاستقرار. لبنان الذي خرج من الحرب يواجه خطر العودة إليها، بعدما خسر الوضع المستقر وتحول الى الوضع المضطرب وكل الجهود والمداخلات منصبّة على الحؤول دون تحوله الى وضع متفجر... ولبنان الذي أعاد بناء نظامه السياسي مع اتفاق الطائف يشهد أزمة وطنية سياسية هي أبعد وأعمق من أزمة تشكيل حكومة وانتخاب رئيس. وتبدو أزمة نظام بعدما كشفت التجربة وعملية تطبيق الطائف عن وجود كمية من الثغرات والخلل، ما يوجب إعادة النظر في نظام الطائف وإدخال تحسينات عليه وإعادته الى مساره الأساسي.
والى هذه الأزمة الثابتة في النظام المعطوب، يضاف خطر طارئ لم تعهده الساحة اللبنانية من قبل ويتمثل في الإرهاب الوافد حديثا والساعي للتمدد والتفشي في الجسم اللبناني الهزيل، والى إقامة شبكاته وبناه التحتية مستفيدا من حالة الفراغ العام في الدولة والمؤسسات والمتسلل عبر ثغرة الخلافات والصراعات السياسية التي أدخلت لبنان في سياسة المحاور ورتبت عليه أعباء وأثماناً.
ولا نبالغ إذا قلنا إن اللبنانيين يستقبلون العام الجديد في ظل أجواء القلق والحذر والترقب ازاء ما تخبئه الأيام والشهور المقبلة من مفاجآت وتطورات، لأنهم من جهة مدركون لحجم المخاطر والتحديات خصوصا تلك المتأتية من الناحية السورية والتي عبرت الى الداخل اللبناني وأرخت بظلالها الكثيفة ووطأتها الشديدة على الوضع في لبنان، ولأنهم من جهة ثانية يشعرون أن المرحلة المقبلة يكتنفها الكثير من الغموض والضبابية ومن الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في ظل هذا الترابط الوثيق بين لبنان والحرب السورية المستمرة بضراوة رغم الحديث عن قرب انعقاد "جنيف ـ 2" في ظل عدم وضوح الرؤية الإقليمية المتأرجحة بين اتفاقات وتسويات ومشاكل وحروب...
إذا أردنا أن نصارح اللبنانيين نقول لهم إن الوضع بالإجمال هو وضع صعب وسيئ ويدعو الى القلق، وأقصى وأفضل ما يمكن فعله هو منع تطوره نحو الأسوأ.
وهنا لا بد لنا من قول الأمور بكل صدق ودون مواربة واستناداً الى المعطيات والمؤشرات، بأنه ليس هناك ما يدل الى أن العام 2014 سيكون أفضل من العام 2013 وإنما سيكون أكثر صعوبة ودقة وخطورة، خصوصا وأنه عام الاستحقاقات الدستورية والسياسية التي ستفرض على الجميع مواجهتها وخوضها واتخاذ القرارات الصعبة. ولكن العام الجديد "المفصلي" خاضع لأوضاع واعتبارات فرضت التجميد والتمديد وما تزال قائمة وتضغط في اتجاه أن يكون العام الجديد امتدادا للعام الذي سبقه، وبالتالي فإن هامش التغيير والتحوّل الجذري والانتقال من وضع الى وضع آخر تماما هو هامش ضيق وضعيف، كما أن الآمال المعلقة على انفراجات إقليمية تبدو واهية وأقرب الى رهانات وأوهام...
وفي سياق لغة المصارحة وتناول الوضع كما هو من دون أسباب تخفيفية وعوامل تجميلية، نقول عشية العام الجديد:
-
لا إمكانية لقيام حكومة جديدة بعد مخاض الأشهر التسعة الماضية التي لم تسجل خلالها خطوة واحدة الى الأمام وما زال كل طرف "متمترسا" خلف موقفه. وحتى الآن لم يحسم شيء في الحكومة لا في طبيعتها وهويتها المتأرجحة بين حيادية وسياسية، ولا في صيغتها المتأرجحة بين 8 – 8 – 8 و 9 – 9 – 6.
-
من الصعب أن نرى انتخابات رئاسية في موعدها رغم كل النوايا الطيبة والمواقف المؤكدة على أهمية وضرورة انتخاب رئيس جديد. فالانتخابات كي تجري إما أن تكون على أساس التفاهم على رئيس توافقي أو على أساس قدرة طرف وفريق على إيصال مرشحه في معركة انتخابية. ولكن الواقع يفيد أن أي من الافرقاء السياسيين غير قادر على إيصال رئيس من صفوفه وعلى تأمين نصاب الثلثين، وأن أي توافق على رئيس ثالث يبدو صعب المنال، لأن رئاسة الجمهورية غير معزولة عن مجمل الوضع ولا يمكن الوصول الى تفاهم بشأنها بمعزل عن سائر المواضيع والملفات والقضايا. وهذا يعني أن التوافق على الرئيس المقبل يجب أن يكون جزءا من تفاهم على سلة متكاملة تشمل الحكومة الجديدة، حكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية، وقانون جديد للانتخابات النيابية التي ستتأجل حكماً للمرة الثانية على التوالي لكن هذه المرة وهنا الخطورة انها ستصتدم بعدم توقيع رئيس الجمهورية بسبب الفراغ الذي سيحصل في هذا الموقع مما يضعنا أمام فراغ ايضاً في مجلس النواب وهذا سيعيد خلط الاوراق من جديد على مستوى كل الوطن.
-
الوصول الى فراغ في رئاسة الجمهورية يعني إدخال البلاد في مرحلة جديدة يشتد في خلالها الصراع السياسي الذي يكون قد انطلق مع بدايات العام الجديد متمحورا حول موضوع الحكومة وأي حكومة ستتولى ملء الفراغ الرئاسي وإدارة البلد والأزمة: حكومة تصريف الأعمال المستمرة بقوة الواقع أو حكومة حيادية يسميها البعض حكومة أمر واقع. وفي هذه الحالة فإن الصراع سيكون صراع سلطة وصلاحيات بين فريقين وحكومتين.
- "
أزمة الفراغ" ستكون أدهى وأقسى في ظل وضع أمني هش وقابل للاشتعال والانهيار عند أول اختبار ومفترق. فنحن ندخل العام الجديد مع ارتفاع ملحوظ في منسوب التوترات السياسية والطائفية والمذهبية، وفي ظل احتدام الصراع السني ـ الشيعي الذي يتغذى من خلاف يزداد رسوخا بين السعودية وإيران... ويضاف الى ذلك خطر الإرهاب الكامن في خلايا ومجموعات نائمة والقادرة على توجيه ضربات مؤذية وموجعة. وإذا كان الاستقرار في لبنان استمر في زمن عواصف الربيع العربي بقوة قرار وتوافق دولي على تحييد لبنان وعزله عن المؤثرات الخارجية لا سيما تلك المرتبطة بالأزمة السورية، كما أنه استمر بفعل توازن داخلي دقيق بين من لا مصلحة له ومن لا قدرة له على التفجير، فإن لا شيء يضمن استمرار هذا التوازن السلبي في ظل وضع بات يختزن كل عوامل التوتر والاحتقان التي أصبحت أكثر وأقوى من عوامل الضبط والاحتواء.
-
من الطبيعي أن ينعكس التأزم السياسي والتدهور الأمني سلبا على الوضع الاقتصادي ويفاقم في أزمته وفي هبوط المؤشرات والقطاعات، وأن ينسحب الأمر على الوضع الاجتماعي والمعيشي مع انخفاض معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة والهجرة لا سيما هجرة الشباب... وفي الواقع ليس أمام المؤسسات والقطاعات الاقتصادية التي باتت في وضعية تصريف الأعمال إلا اتباع استراتيجية بقاء وصمود، وتمرير هذه المرحلة بأقل أضرار وخسائر ممكنة، مع ما يستدعيه ذلك على مستوى الشركات والجماعات من شد الأحزمة وإعادة ترتيب الأولويات.
الصورة التي رسمناها للعام الجديد استنادا الى الوقائع والمعطيات الراهنة ليست صورة مشرقة وتبعث على الارتياح والتفاؤل، وإنما هي صورة قاتمة ومقلقة على الأقل في النصف الأول من العام 2014 لأننا أمام ستة أشهر حاسمة وحساسة ودقيقة في تحديد مسار الأوضاع في المنطقة ووجهتها لسنوات قادمة وسيكون لبنان معنيا وبشكل مباشر بكل ما سيجري في المنطقة من تقدم نحو اتفاقات وتسويات سياسية أو من تراجع الى مربع التجاذبات الدولية والإقليمية وصراع النفوذ والمصالح.
فالأزمة السورية ماضية الى مزيد من المواجهات العسكرية التي في مكان ما صارت تعتبر عبثية لأنها لم تعد قادرة على إحداث تغيير جذري وحاسم على الأرض. والاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى يمكن أن يظل مرحليا ولا يتطور الى اتفاق نهائي... ولكن في موازاة ذلك لا يمكن تجاهل أن الأزمة السورية فُتحت وللمرة الأولى منذ نشوبها قبل ثلاثة أعوام على أفق الحل السياسي وهذا ما بدأنا نراه واضحاً وذلك يعود إلى أسباب عديدة أهمها الموقف الروسي من جهة والخوف الأميركي والغربي من البديل من جهة ثانية... كما لا يمكن تجاهل الاختراق الذي تحقق في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية وهذا ليس أمرا بسيطا وعابرا، وبإعتقادي ان لا رجعة فيه الى الوراء... ولذلك فإن منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تشهد أواخر العام 2014 بداية انحسار العاصفة الكبرى التي اجتاحتها، من هنا يمكننا في لبنان أن "نتفاءل" رغم كل المآسي والألم التي نعيشها كما يمكننا ايضاً تقليل الأضرار التي يمكن ان تصيبنا خلال هذه المرحلة الصعبة من خلال الحوار فيما بيننا وخروجنا من الاصطفافات والاحقاد، وفك الارتهان مع الخارج، ووضع مصلحة لبنان فوق كل مصالح الدول الاقليمية وصراعاتها.
في الختام يبقى الأمل كبيراً في المؤسسة العسكرية من هنا فان المشاورات تجري بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة وجميع القوى السياسية في البلاد من اجل وضع سيناريو يتجه إلى تسليم الجيش اللبناني زمام الأمور في البلاد بطريقة لا تتعارض مع الدستور وذلك حرصاً على الأمن وحفاظاً على مصالح الناس ولعدم تفلت الأمور وأخذ البلاد نحو المجهول .

(جريدة الديار)