Follow us


الفاتيكان: انتخاب رئيس مسألة شرف

كتب بيار عقيقي في جريدة "المدن":

حُسمت الأمور، أقلّه كما يبدو في ظاهرها. رئاسة الجمهورية أولاً. الموضوع الحكومي بدأ بالتراجع، في حال لم تولد مفاجأة ما. الفاتيكان وضع يده على الملف عبر البطريرك بشارة الراعي. رئاسة الجمهورية، عنوان الكرسي الرسولي الأخير، في شرق يتماوج على وقع الحرب السورية، ويتقلّب بين عناد الزعماء المسيحيين وفراغ يلوح في الأفق.

آب الماضي، حلّ على الفاتيكان زائر لبناني اعتاد زيارة عاصمة الكثلكة في صورة دورية. سمع الزائر للمرة الأولى كلاماً غير دبلوماسي. الفاتيكان لم يعد متخوفاً فحسب. الصلوات مفيدة، لكن البابا فرنسيس قرّر التدخّل في شكل مباشر. يشير الزائر الى أن "البابا أوفد السفير البابوي غابرييللي كاتشا مرّات الى بكركي، سرّاً وعلناً، لينسج خطة عمل تسمح للفاتيكان بوضع اليد على الملف الرئاسي على اعتبار أنه الملف الأكثر حساسية في المواقع الرسمية للكنيسة الغربية في الشرق". 

للخطة الفاتيكانية 3 بنود: رئاسة الجمهورية، بيع الأراضي المسيحية، القانون الانتخابي. الراعي كان حاضراً في مختلف الاجتماعات والنقاشات. استُدعي مرات الى الفاتيكان لمواكبة الخطة. في بند رئاسة الجمهورية تجسّدت الفكرة في مبدأ "الرئيس القوي"، الذي بوشر التسويق له لدى القيادات والقواعد المسيحية الأساسية: التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، الكتائب، المردة. اهتمّ الراعي بالرئيس ميشال سليمان، وبحسب مصادر بكركي فإن "الخطة غير موجّهة ضدّه، خاصة وأن الفاتيكان وخلفه بكركي يؤيدان كل خطوات سليمان، تحديداً في تصوّره المذكور في اعلان بعبدا". مساندة سيد الصرح للرئيس في كل المحطات تقريباً، يُشبه الدعم الآتي للرئيس المقبل. هكذا تقول أوساط الراعي، التي تشدّد على أنه "أياً كان رئيس الجمهورية المقبل فنحن معه. الموقع هو الأهم لبكركي، ومن دون الموقع لا يُمكن التعويل على تشبّث المسيحيين بأرضهم". 

الجزء الثاني من الخطة الرئاسية الفاتيكانية، يشمل اقناع 64 نائباً مسيحياً حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بدءاً من 25 آذار المقبل. اللافت أن كل القوى النيابية المسيحية وافقت على عدم الغياب عن أي جلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد، وفق مصادر بكركي، التي تؤكد أن "موقف النواب المسيحيين الذين ينتمون الى كتل غير مسيحية تبقى محور البحث". فرضية غياب الكتل النيابية غير المسيحية، كتيار المستقبل وحزب الله وأمل و"جبهة النضال الوطني" مطروحة، وتشير أوساط الصرح الى أن "العمل جارٍ على التواصل مع جميع الأفرقاء، لمنع تسلّل الفراغ للمرة الثالثة الى بعبدا". بالنسبة الى الراعي "لم يتم تدارك الأمر في كل فراغ رئاسي إلا بعد حمّام دمّ عام 1989، وبعد أحداث 7 أيار في 2008، ما الذي يضمن أن الفراغ هذه المرة، إن حصل، لن يقضي على رئاسة الجمهورية؟".

بالنسبة الى الفاتيكان، فإن "التمديد غير مرغوب به، فكيف بالفراغ الرئاسي؟". وتعتبر أوساطه أن "حسابات لبنان يجب أن تكون منفصلة عن حسابات الحرب السورية. والتمديد للمجلس النيابي كان خطأ، استجرّ معه التمديد لقيادة الجيش ولعدم تشكل الحكومة العتيدة". تؤكد المصادر الفاتيكانية على أن "انتخاب رئيس جديد للجمهورية يبقى الهدف الأساسي للكرسي الرسولي، فالأمور لم تعد تحتمل المزيد من التدهور في لبنان". مع العلم أن مسألة التمديد باتت قيد التداول في الكتل النيابية المتعددّة. فتيار المستقبل أبدى رغبته في التمديد لسليمان، في حال كان الفراغ هو البديل، عكس موقف حزب الله، الذي يعتبر أن 25 أيار هو موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ولو لم يتأمّن انتخاب رئيس جديد.

ترفض مصادر بكركي الاختيار بين التمديد والفراغ، وتصفه بـ"الكارثة على ما تبقى من نظام ديمقراطي في لبنان"، وتؤكد "لدينا متّسع من الوقت للاتفاق على رفض المبدأين قبل 25 آذار، ولن نكرّر خطأ القانون الانتخابي. إن شرف بكركي، وبالتالي الفاتيكان، على المحك في حال لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل الدستورية". وتشير معلومات "المدن" الى أن "أحد السياسيين رفع مشروعاً للراعي يقضي بتعديل المادة 49 من الدستور، والسماح لرئيس الجمهورية في الترشح لولاية ثانية، على أن تكون مدة الولاية الواحدة 5 سنوات"، ويرفق السياسي المشروع بـ"اقتراح بدء التنفيذ مع سليمان، لفضّ الاشكال الدستوري المرتقب بعد 25 أيار، وفي غياب حكومة جديدة".

بين التمديد والفراغ، بات "الشرف" على المحكّ. ليست بكركي وحدها في الوقت الحالي في معركة الرئاسة، الفاتيكان يخوض معركتها أيضاً. الراعي أعلنها سابقاً وكرّرها أكثر من مرة، كما أن البيان المقبل لمجلس المطارنة الموارنة، بحسب معلومات "المدن" سيحمل نداءً أشبه بنداء أيلول 2000، يوم طالب البطريرك نصرالله صفير بانسحاب الجيش السوري من لبنان. وقتها تأخرّ الانسحاب 5 سنوات معطوفاً على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، أما النداء المقبل في ما خص موقع الرئاسة، فبحث آخر
.